شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وهب جماعة لقوم

          ░24▒ بَابُ إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْمٍ أَوْ رَجُلٌ لِجَمَاعَةٍ جَازَ(1)
          فيهِ مَرْوَانُ وَالمِسْوَرُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم حِينَ(2) جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: اخْتَارُوا(3) إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا المَالَ، فَاختَارُوا السَّبْيَ) الحديثَ. [خ¦2607] [خ¦2608]
          قال المؤلِّف: أمَّا قولُ البخاريِّ: في(4) باب إذا وهب جماعةٌ لقومٍ، فإنَّ أصحاب النَّبيِّ صلعم وهبوا هَوَازِنَ السَّبي وهو مشاعٌ؛ لأنَّ هَوَازِنَ لم يقسموه بينهم، ولا حاز كلُّ واحدٍ منهم أهله إلَّا بعد أنْ حصل في ملكهم، وبعد أن نفذت(5) هبة أصحابِ النَّبيِّ صلعم لهم في السَّبي، ولم يكن لأحدٍ منهم رجوعٌ في شيءٍ مِنْ ذلك؛ لأنَّهم طيَّبوا هبتهم، وأمضوها على شرط ألَّا يقبلوا العِوَضَ مِنَ النَّبيِّ صلعم فيها، فهذا يردُّ قول أبي حنيفةَ أنَّ هبة المشاع الَّذي تتأتَّى فيه القسمة لا تجوز؛ لأنَّ هَوَازِنَ إنَّما حازوا أهلهم بعد تملُّكهم لهم، فهذا هبة الجماعة للواحد(6).
          وأمَّا قول البخاريِّ في التَّرجمة: أو رجلٌ لجماعةٍ فإنَّ أصحاب النَّبيِّ صلعم وإن كانوا قد طابت نفوسهم بهبة السَّبي، فإنَّما فعلوا ذلك مِنْ أجل شفاعة النَّبيِّ صلعم عندهم فيه، وأنَّه وعد بالعوض مَنْ لم تَطِبْ نفسه بالهبة، فكأنَّه هو الواهب إذ كانَ السَّبب في الهبة، وأيضًا فإنَّه ◙ كانَ له حقٌّ في جملة السَّبي، فصحَّ قول البخاريِّ في جواز هبة الواحد للجماعة.
          وأمَّا قوله: (مَقْسُومًا أَوْ غَيْرَ مَقسُومٍ)، فإنَّما أرادَ أنَّ المشاع والمقسوم سواءٌ في جواز الهبة، فلذلك ما ينقسم وما لا ينقسم سواءٌ في جواز الهبة(7).


[1] في (ز): ((لجماعة مقسومًا وغير مقسوم)).
[2] قوله: ((حين)) ليس في (ص).
[3] في (ز): ((فاختاروا)).
[4] قوله: ((في)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((حصلت)).
[6] في (ز): ((للجماعة)).
[7] قوله: ((فلذلك ما ينقسم وما لا ينقسم سواء في جواز الهبة)) ليس في (ص).