شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم يقبل الهدية لعلة

          ░17▒ بَابُ مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ
          وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: كَانَتِ الهَدِيَّةُ(1) في زَمَنِ النَّبِيَّ صلعم هَدِيَّةً، وَهي اليَوْمَ رِشْوَةٌ.
          فيهِ الصَّعْبُ بنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّهُ أهدي إِلَى الرَّسُولِ(2) حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ _أَوْ بِوَدَّانَ_ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ، فَلَمَّا عَرَفَ في وَجْهِهِ(3) كَرَاهِيَّةَ(4) رَدِّهِ، قَالَ: (لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا حُرُمٌ). [خ¦2596]
          وفيهِ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ(5): اسْتَعْمَلَ النَّبيُّ صلعم رَجُلًا مِنَ الأَسْدِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلِيَّ، قَالَ: (فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ أو بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ هَلْ يُهْدَى(6) لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً / تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدِهِ(7)، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ(8): اللَّهُمَّ هَلْ(9) بَلَّغْتُ ثَلَاثًا). [خ¦2597]
          قالَ المُهَلَّبُ: ردُّ الهديَّة في حديث الصَّعْبِ غاية الأدب؛ لأنَّها(10) لا تحلُّ للمُهْدَى إليه، مِنْ أجلِ أنَّه محرمٌ، ومِنْ حُسْنِ الأدب أنْ يكافأ المهدي، وربَّما عسرت المكافأة، فرَّدها إلى مَنْ يجوز له الانتفاع بها أولى(11) مَنْ تكلَّف المكافأة، مع أنَّه لو قبله لم يكن له سبيلٌ إلى غير تسريحه؛ لأنَّه لا يجوز له ذبحه وهو محرمٌ.
          وفيهِ مِنَ الفِقه: أنَّه لا يَجوزُ قبول هدية مَنْ كان مالهُ حرامًا ومَنْ عُرِفَ بالغَصبِ والظُّلمِ، وقد تَقَدَّمَ هذا(12) في بابِ قبولِ هَدْيَّةِ الصَّيدِ [خ¦2572].
          وفي حديثِ ابنِ اللُّتْبِيَّةَ: أنَّ هدايا العُمَّالِ يجبُ أنْ تُجعلَ في بيتِ المالِ، وأنَّه ليسَ لهم مِنْها شيءٌ إلَّا أنْ يُستأذنَ(13) الإمامُ في ذلكَ، كَما جَاءَ في قصَّةِ مُعَاذٍ أنَّ النَّبِيَّ صلعم طيَّب لهُ الهديَّةَ، فأنفَذَها لَهُ أبو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ ☺ بعدَ النَّبيِّ صلعم لمَّا كانَ دَخَلَ عَليه في مالهِ مِنَ الفلسِ.
          وفِيهِ كَرَاهِيَةُ قُبولِ هَدِيَّةِ طلبِ(14) العنايةِ، ويدخلُ في معنى ذَلِكَ كَرَاهيِةَ هديَّةِ المديانِ والمُقَارضِ، وكلُّ مَنْ لهديَّته سببٌ غيرَ سببِ الجِيَرةِ أو الصَّدَاقَةِ أو صلة الرَّحَمِ.
          وقولهُ: (عُفْرَةَ(15) إِبْطَيهِ) قال صاحبُ «العَيِنِ»: العِفْرَةُ: غبرةٍ في حمرةٍ، كلون الظَّبِي الأعَفَرِ.


[1] زاد في (ز): ((للنَّبيِّ صلعم أو)).
[2] قوله: ((هدية، وَهي الْيَوْمَ رِشْوَةٌ. فيه الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ، أَنَّهُ أُهدِيَ إلى الرَّسُول)) ليس في (ز).
[3] في (ز): ((وجهي)).
[4] في (ز): ((كراهة)).
[5] قوله: ((السَّاعديِّ)) ليس في (ص).
[6] في (ز): ((أبيه وأمِّه فينظر أَيُهْدَى)).
[7] في (ص) صورتها: ((يديه)).
[8] قوله: ((حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قال)) ليس في (ز).
[9] في (ز): ((قد)).
[10] في (ز): ((لأنَّه)).
[11] في (ز): ((أوَّل)).
[12] زاد في (ز): ((المعنى)).
[13] في (ز): ((يَستَأذنوا)).
[14] في (ز): ((طَلبِ)).
[15] في (ز): ((عَفرِ)).