شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قبول هدية الصيد

          ░5▒ بَابُ قَبُولِ هَدِيَّةِ الصَّيْدِ، وَقَبِلَ النَّبِيُّ صلعم مِنْ أَبِي قَتَادَةَ عَضُدَ الصَّيْدِ
          وفيهِ(1) أَنَسٌ: (أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صلعم بِوَرِكِهَا _أَوْ فَخِذَيْهَا قَالَ: فَخِذَيْهَا(2) لَا شَكَّ فِيهِ_ فَقَبِلَهُ، قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ). [خ¦2572]
          وفيهِ ابنُ عَبَّاسٍ: (عَنِ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلعم حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُم(3) بِالأَبْوَاءِ _أَوْ بِوَدَّانَ_ فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا في وَجْهِهِ، قَالَ: أَمَّا(4) إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ). [خ¦2573]
          قولُ شُعْبَةَ(5): (فَخِذَيْهَا لَا شَكَّ) فيهِ دليلٌ أنَّه شكَّ في الفخذين أوَّلًا ثُمَّ استيقن، وكذلك شكَّ آخر في الأكل، فأوقف حديثه على القبول، وقبول هديَّة الصَّيد وغيره هي السُّنَّة لقوله ◙: ((لَوْ أُهدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ أَو ذِرَاعٌ لَقَبِلْتَهُ)).
          وفي ردِّ النَّبِيِّ صلعم الحمار على الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ وهو مُحرِمٌ دليلٌ على أنَّه لا يجوز قبول / ما لا يحلُّ مِنَ الهديَّة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما ردَّه عليه؛ لأنَّه لا يحلُّ له قتل الصَّيدِ وهو مُحرِمٌ، وكانَ الحمارُ حيًّا، فَدَلَّ هذا أنَّ المهدِيَّ إذا كان معروفًا بكسب الحرَامِ، أو بالغصب والظُّلمِ، فإنَّه لا يجوز قبول هديته.
          وفيه الاعتذار إلى الصَّديقِ، وإذهاب ما يخشى أنْ يقع بنفسه مِنَ الوحشةِ وسوء الظَّنِّ، وقد تقدَّم هذا الحديث في كتاب الحجِّ وما للعلماء فيه [خ¦1825]، وكذلك تقدَّم حديث أَنَسٍ في كتاب الصَّيد وتفسير (أَنْفَجْنَا) [خ¦5535].


[1] في (ز): ((فيه)).
[2] في (ز): ((بوركها أو قال بفخذيها)).
[3] في (ز): ((وهو)).
[4] قوله: ((أمَّا)) ليس في (ز).
[5] زاد في (ز): ((قوله)).