الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران

          3769- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بمد الهمزة؛ أي: ابن أبي إياسٍ، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): أي: ابن الحجَّاج؛ أي: إلى آخرِ السند الآتي عقبه.
          (ح) للتحويل (وَحَدَّثَنَا): بالواو (عَمْرٌو): بفتح العين؛ أي: ابن مرزوقٍ الباهلِي، قال: (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ): أي: ابن الحجَّاج (عَنْ عَمْرِو): بفتح العين (ابْنِ مُرَّةَ): بضم الميم وتشديد الراء؛ أي: الهمداني، وسقط سهواً: <ابن مرة> من الفرع.
          (عَنْ أَبِي مُوسَى): هو: عبد الله بن قيسٍ (الأَشْعَرِيِّ ☺، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: كَمَلَ): بفتحات، ويجوز ضم الميم وكسرها مخففة (مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ): بالمثلثة مكبَّراً، فاعل ((كمل)) (وَلَمْ يَكْمُلْ): بضم الميم وفتحها كما في أصول (مِنَ النِّسَاءِ): أي: من مطلقهن (إِلاَّ مَرْيَمُ): بالرفع (بِنْتَ عِمْرَانَ) هي: أمُّ عيسى عليهما السلام (وَآسِيَةُ): بمد الهمزة وكسر السين المهملة؛ أي: بنتِ مزاحمٍ (امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ): أي: المشهور الذي ادَّعى الربوبية، وكانت ابنة عمِّه على ما قيل.
          واستدلَّ به على نبوة مريَم وآسية؛ لأن أكملَ النوعِ الإنسانيِّ الأنبياء عليهم السلام، / ثمَّ الصِّدِّيقون ثمَّ الأولياء والشهداء فلو كانتا غير نبيَّتين لزمَ أن لا يكون في النساء وليَّةٌ ولا صدِّيقةٌ ولا شهيدةٌ، والواقعُ أن هذه الصِّفات موجودةٌ في كثيرٍ من النساء، فكأنه قيل: لم ينبأ من النِّساء إلا هاتين، ولو قال: لم تثبت صفة الصِّديقية أو ما بعدها إلا لفلانة وفلانة، لم يصحَّ لوجودها في غيرهنَّ.
          نعم، لو أريدَ من الحديث كمال غير الأنبياءِ لم يتمَّ الدليل على ذلك، واختلفَ أيضاً في نبوة حوى وسارة، ولكن لم يصحَّ في ذلك شيءٌ، قاله السبكي.
          وجملة: (وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ): بفتح المثلثة وكسر الراء، سواءٌ كان من لحمٍ أو غيره (عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ): مستأنفةٌ، وهذا لا يلزمُ منه ثبوت الأفضليَّةِ مطلقاً، لجواز أن يخصَّ بنساء هذه الأمة.
          وقد أشارَ ابن حبان إلى أن أفضليتها المستفادةُ من هذا الحديثِ وغيره مقيَّدةٌ بنساءِ النبي عليه السلام، حتَّى لا يدخل نحو فاطمةَ ابنته، فإنها أفضل جمعاً بينه وبين حديث الحاكمِ المارِّ ونحوه: ((أفضل نساء أهلِ الجنَّة خديجة وفاطمة)) وفي ((الصَّحيح)) لما جاءت فاطمةُ لرسولِ الله صلعم قال لها: ((ألستِ تُحبِّين ما أحبُّ؟)) قالت: بلى قال: ((فأحبِّي هذهِ)) يعني: عائشة.
          وهذا الأمرُ كما قال التقيُّ السُّبكي: لا صارفَ له عن الوجوبِ، وحكمهُ عليه السلام على الواحدِ حكمه على الجماعةِ، فيلزم وجوب محبَّتها على كلِّ أحدٍ، وقد وردَ فيها غير حديثٍ.
          وأما بقيَّةُ زوجاته عليه السلام غير خديجةَ فلا يبلغنَ هذه المرتبةَ، لكن نعلم لحفصة من الفضائل كثيراً فما أشبهَ أن تكون هيَ بعد عائشة.
          والكلامُ في التَّفضيلِ صعبٌ، ولا ينبغي التكلَّمُ إلا بما وردَ والسكوتُ عن غيره أولى وأسد، وقال المتولي: والأولى بالعاقلِ أن لا يشتغلَ بمثل ذلك.