الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

ذكر العباس بن عبد المطلب

          ░11▒ (ذِكْرُ الْعبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ☺): كذا في نسخٍ كثيرةٍ، وفي بعضها زيادة لفظ: <باب> وفي كثير من النُّسخ: <باب مناقب العبَّاس ☺> وهو الأنسبُ بسوابقهِ ولواحقهِ، والخطب سهل، وقال العينيُّ والقسطلانيُّ: وهذه الترجمةُ مع حديثها سقطَتْ من رواية أبي ذرٍّ والنَّسفِي، انتهى.
          ولعلَّ ذلك لاكتفائهِ بالباب بعدَه فتأمَّل، وكنيةُ العبَّاس: أبو الفضل وهو عمُّ رسول الله صلعم كان أسنَّ من رسولِ الله بسنتين أو ثلاث، وكان إسلامُه على المشهورِ قبل فتحِ مكة، وقيل: قبل ذلك.
          قال في ((الفتح)): وليس ببعيدٍ فإنَّ في حديث أنس في قصَّة الحجَّاج بن علاط ما يؤيِّد ذلك، وقال في ((التَّهذيب)): خرجَ إلى بدرٍ؛ أي: مع الكفَّار مكرهاً وأُسر وفدَى نفسَه وبني أخويه عقيلاً؛ أي: ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وأسلم عقبَ ذلك، وقيل: أسلم قبل الهجرة وكان يكتُم إسلامه مقيماً بمكَّة يكتب بأخبار المشركين إلى رسولِ الله صلعم، وكان عوناً للمسلمين المستضعفين بمكة، قالوا: وأراد القدُوم إلى المدينة فقال له النَّبي عليه السَّلام: ((مقامُك بمكة خيرٌ)).
          وأمه: نُتَيْلَة _بضم النون وفتح المثناة فوق فتحتية ساكنة فلام فهاء تأنيث_ وهي أول أعرابية كسَتِ الكعبة الحرير، قالوا: وسببه أن العبَّاس ضاعَ وهو صغير فنذرتْ إن وجدته كستِ الكعبةَ الحرير، وكان العبَّاس رئيساً جليلاً في قريش قبل الإسلام، وكان إليه عمارةُ المسجد الحرام والسِّقَاية.
          قال في ((الفتح)): ولأجل أنه لم يهاجرْ قبل الفتحِ لم يدخله عمر في أهل الشُّورى مع معرفتهِ بفضله واستسقائهِ به، وقال في ((التَّهذيب)): شهد حُنيناً مع رسولِ الله صلعم وثبتَ معه يومئذٍ حين انهزم الناسُ، فأمرَه النَّبي صلعم أن ينادِي في الناس بالرجوعِ، فنادَى فيهم وكان صيِّتاً فأقبلوا إليه وحملوا على المشركين فهزمَهُم الله تعالى وأظهرَ المسلمين وكان صيِّتاً، فكان إذا وقفَ على سلع ونادَى غلمانَه آخرَ الليل وهم في الغابةِ أسمعهم، وبين الغابة وسلع ثمانية أميال، وكان جميلاً وسيماً أبيض له ضفيرتان معتدلاً لكنه إلى الطُّول أقرب، وقيل: كان طوالاً وكان أجود قريش كفاً وأوصلها رحماً، وكان ذا رأي حسنٍ ودعوة مرجوَّة وأعتقَ سبعين رقيقاً.
          وكان رسولُ الله صلعم يعظِّمه ويكرمُه، وكذا الصَّحابة كانت تكرمُه وتعظِّمه وتشاورهُ وتأخذ برأيهِ، وكان له عشر بنين وثلاث بنات فالفضْلُ، وعبد الله، وعُبيد الله، وقُثم، وعبد الرَّحمن، ومعبد، وأم حبيب، أمهم: أمُّ الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى، قالوا: ولا يعرف بنو أم تباعدَتْ قبورُهم كتباعد قبور بني أم الفضلِ فقبر الفضل بالشَّام باليرموك، وعبد الله بالطَّائف، / وعبيد الله بالمدينة، وقُثم بسمرقند، ومَعبد بإفريقية، وتوفي العبَّاس ☺ في خلافة عثمان بالمدينة يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلتْ من رجب، وقيل: من رمضان سنة ثنتين، وقيل: أربع وثلاثين، وهو: ابنُ نحو ثمان وثمانين سنة، وهو معتدلُ القامة، كذا في ((التَّهذيب)).
          وقال ابنُ حجر المكِّي في ((شرح الهمزية)): توفي وله نحو من ثمانية وثمانين سنة، ودفنَ بالبقيعِ وقبرُه مشهورٌ فيه، وعليه قبَّة وجلالةٌ، وقد زرتُه ولله الحمد مراراً في الحجَّتين.
          ومناقب العبَّاس كثيرة شهيرة، وقد ذكر المصنَّف منها أثراً عن عمر بن الخطَّاب، ولعله لم يثبت عنده على شرطهِ من الأحاديث ما رواه غيره، ففي ((صحيح مسلم)): أنَّ رسول الله صلعم قال وقد ذكر العبَّاس: ((يا عمِّ أما شعرتَ أن عمَّ الرجلِ صنُو أبيه))، قال النَّووي: أي: مثل أبيه.
          وروى التِّرمذي: أن رسولَ الله صلعم قال للعبَّاس: ((والَّذي نفسِي بيده لا يدخلُ قلبَ رجلٍ الإيمانُ حتَّى يحبِّكُم لله ولرسُولهِ)) ثمَّ قال: ((أيُّها النَّاس مَن آذى عمِّي فقد آذاني، فإنَّما عمُّ الرَّجل صنُو أبيهِ)).
          وفي التِّرمذي وغيره أحاديث أُخر في فضل العبَّاس منها ما صحَّ: ((العبَّاس منِّي وأنا منه))، ومنها ما أخرجه ابن عساكر: ((اللَّهمَّ اغفر له ذنبه، وتقبَّل منه أحسن ما عمل، وتجاوز عنه سيئ ما عمل، وأصلحْ له في ذرِّيتهِ))، ((لا تسبُّوا العبَّاس فتؤذُوني))، ((مَن سبَّ العبَّاس فقد سبَّني)).
          ومنها: ما أخرجَه الدَّارقطني في ((الأفراد)): ((ليكوننَّ في ولد العبَّاس ملوكٌ، يكونون أمراء أمتَّي يعزُّ الله بهم الدِّين)).
          ومنها ما أخرجه أبو نُعيم في ((الحلية)) بلفظ: ((ألا أبشِّرك يا أبا الفضل أن الله ╡ افتتح بي هذا الأمر، وبذرِّيَّتك يختم)).
          ومنها: ما رواه التِّرمذي وقال: حسنٌ غريبٌ: ((اللَّهمَّ اغفرْ للعبَّاس وولدِهِ، مغفرةً ظاهرةً وباطنةً، لا تغادر ذنباً، اللَّهمَّ أخلفْه في ولده)).
          ومنها: ما أخرجه ابن عساكر: ((اللَّهمَّ اغفرْ للعبَّاس ما أسرَّ وما أعلَنَ، وما أبدَى وما أخفَى، وما كان وما يكون منه، ومن ذرِّيَّته إلى يوم القيامةِ)).