الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة

          ░26▒ (باب مَنَاقِبِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ☺): سقط لفظ: <باب> لأبي ذرٍّ، كنية سالم: أبو عبد الله، وهو سالم بن مَعْقِل _بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف_ على الصواب، وأما قولُ ابن منده: سالمُ بن عبيد بن ربيعة، فهو وهمٌ فاحشٌ، كما في ((التهذيب))، وهو مولى أبي حُذَيفة كما قال البُخاري لكن تبنِّياً.
          وأبو حُذيفة _بضم الحاء المهملة_ هو: ابنُ عتبةَ بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان ينسبُ إليه، فيقال سالمُ بن أبي حذيفة حتى نزلت: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] وأبو حذيفةَ هذا كما في ((الفتح)) من أكابرِ الصَّحابة، وشهدَ بدراً مع النبي صلعم وقتل أبوهُ يومئذٍ كافراً فساءهُ ذلك فقال: كنت أرجو أن يُسلِم لما كنت أرى من عقله.
          واستشهدَ أبو حذيفة باليمامة، وكونه مولى أبي حذيفة فيه تجوُّزٌ؛ لأنه تبنَّاهُ حين تزوج مولاته، وإلا فهو مولى امرأةٍ من الأنصارِ اشترته وأعتقتهُ، وتزوجها أبو حذيفة ♥، وعبارةُ النووي كان سالمٌ من أهل فارس من اصطخر، وهو من فُضَلاء الصحابة والمهاجرين، أعتقته مولاته بثينة امرأةُ أبي حُذيفة الأنصارية، فتولاه أبو حذيفة وتبنَّاه فيقال له: قرشيٌّ وأنصاريٌّ وفارسي.
          وثبت في ((الصحيح)) أنه هاجرَ من مكة إلى المدينة قبل قدومِ رسول الله صلعم فكان يؤمُّ المهاجرين بالمدينة؛ لأنه كان أكثرهم قرآناً، والأحاديثُ الصَّحيحةُ في فضله كثيرةٌ، وكان عمرُ بن الخطاب يُثنِي عليه كثيراً حتى قال حين أوصَى قبل وفاته: لو كان سالمٌ حيًّا ما جعلتُها شُورى.
          قال ابن عبد البرِّ: معناه أنه كان يصدرُ عن رأيه فيمن ينجز له توليةَ الخلافةِ، انتهت.
          ثمَّ قال النووي: / شهد سالمٌ بدراً وأحداً والخندقَ وسائر المشاهدِ مع رسولِ الله صلعم، وقُتِل يوم اليمامةِ شهيداً، وكان لواءُ المسلمين معه يومئذٍ فقيل: لو أعطيتهُ غيركَ، نخشى عليه معك فقال: بئس حاملٌ للقرآن أنا إذاً، فقاتل فقُطِعَت يمينه فأخذَ اللواء بيسارهِ فقُطعت يسارُه فاعتنق اللِّوَاء وهو يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:144-146] فلمَّا صُرِع قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قتل قال: فما فعل فلان؟ قيل: قتل، قال: فأضجعوني بينهما، فلما قُتِل أرسلوا ميراثهُ إلى معتقتهِ بثينةَ فلم تقبلهُ، وقالت: أنا أعتقتهُ سائبةً فجعلوا ميراثه في بيت المالِ.
          ومناقبه كثيرةٌ منها ما ذكره المصنف.