الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب المهاجرين وفضلهم

          ░2▒ (بَابُ): وسقط لأبي ذرٍّ لفظ: <باب> (مَنَاقِبِ المُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ): ((مناقب)): جمع مَنْقبة _بفتح الميم_ فيهما ضدُّ المثلبة والمهاجرين، جمع: المهاجر، وهو لغة مَن فارقَ وطنَه.
          وقال في ((المصباح)): الهجرةُ: مفارقةُ بلد إلى غيره، والمرادُ بهم الصَّحابة الذين هاجروا من مكة إلى المدينةِ كأبي بكر وعمر.
          و((فضلِهِم)): بالجر أو الرفع عطفٌ على ((مناقب)) من باب عطفِ التَّفسير.
          وقال في ((الفتح)): والمرادُ بالمهاجرين من عدا الأنصَار، ومَن أسلم يوم الفتح وهلمَّ جرَّا، فالصَّحابة من هذه الحيثيَّة ثلاثة أصنافٍ، والأنصار هم: الأوسُ والخزرجُ وحلفاؤهُم ومواليهم. انتهى.
          فالأصناف الثَّلاثة: المهاجرون، والأنصار، ومسلمةُ الفتح، قال القسطلانيُّ في ((المواهب)): والمهاجرون أفضلُ من الأنصار، وهذا على سبيلِ الإجمال، وأمَّا على سبيلِ التَّفصيل فإن جماعة من سُبَّاق الأنصار أفضلُ من جماعةٍ من متأخرِي المهاجرين، وإنما سُبَّاق المهاجرين أفضلُ من سُبَّاق الأنصار، ثم هُم بعد ذلك متفاوتونَ فربَّ متأخر في الإسلام أفضلُ من متقدِّم عليه مثل عمر بن الخطَّاب وبلال بن رباح، وأفضلُهم على الإطلاقِ عند أهل السُّنة إجماعاً أبو بكر ثم عُمر ثم عثمان؛ أي: ثم علي عند أكثرِ أهل السنة.
          وذهبَ بعضُ السَّلف والخلف إلى تقديم عليٍّ على عثمان، وممَّن قال به سفيان الثَّوري: وقيل: لا يفضل أحدهما على الآخرِ، ونقل ذلك عن مالك في ((المدونة)) وتبعَه جماعةٌ منهم يحيى بن سعيد القطَّان.
          وقال أبو منصور البغدادِي: أصحابنا مجمعونَ على أن أفضلهم الخلفاء ثم السِّتَّة تمام العشرة، ثم أهل بدرٍ، ثم أهل أحد ثم أهل بيعةِ الرُّضوان، قال اللقَّاني في ((جوهرته)) / :
وخَيْرُهُم مَنْ وَلِيَ الخِلَافَةَ                     وأَمْرُهُم فِي الفَضْلِ كَالخِلاَفَةِ
يَلِيْهُمُ قَوْمٌ كِرَامٌ بَرَرَةٌ                     عِدَّتُهُم سِتٌّ تَمَامُ العَشَرَةِ
فَأَهْلُ بَدْرٍ العَظِيمِ الشَّانِ                     فَأَهْلُ أُحُدٍ فَبَيْعَةُ الرُّضْوَانِ
          وقال ناظمها في ((شرحها)): قال بعضُهم: أفضلُ الصَّحابة أهل الحديبية، وأفضلُ أهل الحديبية أهل أحد، وأفضلُ أهل أحد أهل بدر، وأفضلُ أهل بدرٍ العشرة، وأفضلُ العشرة الخلفاء الأربعة، وأفضلُ الأربعة أبو بكر ♥ أجمعين.
          وقال أيضاً: علم من النَّظم الرد على الخطَّابية في قولهم: أفضلهم: عمر بنُ الخطاب، وعلى الرَّاوندية في قولهم: أفضلُهم العباسُ بن عبد المطلب، وعلى الشيعة في قولهم: أفضلُهم علي بن أبي طالب وعلى قول مالك الأول بتفضيلِ علي على عثمان ☻. انتهى.
          وبيان الأدلة في ذلك مذكور في كتب الحديث والكلام والأصول والسير.
          تنبيه: قال في ((المواهب)): الصَّحابة ينقسمون إلى طبقات، وقد ذكر العلماء للصحابة ترتيباً على طبقات وممن قسَّمهم كذلك الحاكم في ((علوم الحديث)) الطبقة الأولى قوم أسلموا بمكَّة أول البعث وهم سُبَّاق المسلمين مثل: خديجة وزيد بن حارثة والعشرة الطَّبقة الثانية أصحاب دار النَّدوة بعد إسلام عُمر.
          وقال السَّخاوي في ((شرح الألفية)): الطبقةُ الثانية أصحاب دار النَّدوة التي خرجَ النبي عليه السلام بعد أن أظهرَ عمر إسلامه فبايعوهُ حينئذٍ فيها. انتهى.
          الطَّبقة الثالثة: الذين هاجروا إلى الحبشةِ فراراً بدينهم من أهل مكَّة كجعفر بن أبي طالب.
          الطَّبقة الرابعة: أصحاب العَقَبة وهم سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام، وكانوا ستَّة وأصحاب العقبة الثَانية من العام المقبل، وكانوا اثني عشر رجلاً.
          الطَّبقة الخامسة: رجالٌ من الأنصار أصحاب العقبة الثالثة، وكانوا سبعين من الأنصارِ منهم: البراء بن مَعُرور، وسعد بن عُبادة، وعبد الله بن رواحة.
          الطَّبقة السادسة: المهاجرون الذين وصلوا إلى النَّبي صلعم بعد هجرتهِ وهو بقباء قبل أن يبنيَ المسجد وينتقل إلى المدينة.
          الطَّبقة السابعة: أهل بدر الكبرى.
          الطَّبقة الثامنة: الذين هاجروا بين بدرٍ والحديبية.
          الطَّبقة التاسعة: أهل بيعةِ الرِّضوان الذين بايعوا بالحديبية تحت الشَّجرة.
          الطَّبقة العاشرة: الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل الفتح كخالد بنِ الوليد.
          الطَّبقة الحادية عشر: الذين أسلموا يوم الفتح، وهم خلقٌ كثيرون منهم من أسلم طائعاً، ومنهم من أسلمَ كرهاً ثم حسن إسلامهم.
          الطَّبقة الثانية عشر: صبيان أدركوا النَّبي صلعم ورأوه يوم الفتح أو بعد في حجَّة الوداعِ أو في غيرها / .
          فهؤلاء الطَّبقات تجمعهم وأما عددُ أفرادِهِم فلا يحصَى، ومن رام حصرُهم فقد رامَ أمراً بعيداً لكثرة من أسلمَ من أول البعثةِ إلى أن قبضَه الله تعالى وألحقَه بالرفيق الأعلى.
          وروى البخاريُّ: أنَّ كعبَ بن مالك في قصَّة تخلُّفِه عن غزوة تبوك وأصحابِ رسول الله صلعم كثيرون لا يجمعُهم كتاب حافظ؛ يعني: ديوان، لكن جاء ضبطهم في بعضِ المشاهد فقد وردَ أنه سار في عام الفتح بعشرةِ آلاف من المقاتلةِ، وإلى حنين باثني عشر ألفاً، وإلى حجَّة الوداع بتسعين ألفاً، وإلى تبوك سبعين ألفاً، وروي أنَّه قبضَ عن مئة ألف وأربعة وعشرين ألفاً كعددِ الأنبياء عليهم السلام على المشهورِ، ولنرجعْ إلى الكلام على ما قاله البُخاري.
          (مِنْهُمْ): أي: من المهاجرين بل أفضلُهم بل أفضل من سائرِ الأصحابِ (أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ ☺): ولأبي ذرٍّ: <رضوان الله عليه> فأبو بكرٍ كنيته، وعبدُ الله اسمه على المشهور عند العلماء فيهما، واشتهرَ عند العامة بأبي بكر حتى ظنُّوه هو الاسم بل قال به بعضُ العلماء.
          وقال في ((التلويح)): كان اسمُه في الجاهلية عبد الكعبةِ، وسمَّيَ في الإسلام عبد الله، وكانت أمُّه تقول: يا رب الكعبةِ اسمحْ به يا ربه، وهو بصخر أشبه وصخر أبو أمه، وهي: سلمى بنت صخر بن مالك بن عامر بن عَمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وكانت تكنى: أم الخير، أسلمَتْ وهاجرتْ، وذلك معدودٌ من مناقبه؛ لأنه انتظمَ إسلام أبويهِ وجميع أولادهِ ♥، وقيل: اسمه: عتيق، فقيل: اسم أصلي له، وقيل: عرض له.
          فقال في ((الفتح)): لأنَّه ليس في نسبهِ ما يُعاب به أو لقدمهِ في الخير وسبقهِ إلى الإسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لأن أمَّه كانت لا يعيش لها ولد فلمَّا ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهمَّ هذا عتيقك من الموتِ، فهبْه لي أو لأن النَّبي صلعم بشره بأن الله أعتقَه من النار، ووردَ في هذا الأخير خبر عن عائشةَ عند الترمذيِّ وعند البزَّار عن ابن الزبير وصحَّحه ابن حبان.
          وفي العينيِّ: وقال ابنُ المعلَّى: كانت أمُّه إذا نقزته، قالتْ له:
عتيق ما عتيق                     ذو المنظرِ الأنيقِ
رشفت منه ريق                     كالزرنب العتيق
          وفي ((ربيع الأبرار)) للزمخشريِّ: قالت عائشة ♦: كان لأبي قُحافَة ثلاثة من الولدِ أسماءهم: عتيق ومعتق ومعتيق، وفي ((الوشاح)) لابن دريد: كان يلقَّبُ ذو الخلال لعباءة كان يخلها على صدرِهِ.
          وقال السُّهيلي: وكان يلقَّبُ أمير الشَّاكرين واجتمع المؤرِّخون وغيرهم على أنه يلقَّب خليفة رسول الله صلعم حاشا ابن خَالويهِ فإنه قال في كتاب: ليس الفرق بين الخليفة والخالفة أن الخالفة أي: الذي يكون بعد الرئيس الأول قالوا لأبي بكر: خليفة رسول الله صلعم قال: إني لستُ خليفةً ولكني خالفته كنت بعدَه؛ / أي: بقيت بعدَه واستخلفتُ فلاناً جعلته خليفَتي وقد ردوا عليه ذلك. انتهى.
          فأبو بكرٍ تولى الخلافة بعد رسولِ الله سنتين ونصفاً، وقيل: سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال وقيل: إلا ثلاثة وشهر ومات بالمدينة، وهو ابنُ ثلاثة وستين سنة كالنَّبي وصلى عليه عُمر في المسجد ودفن ليلاً في بيت عائشة عند قبرِ رسولِ الله صلعم ونزلَ في قبره ابنه عبد الرَّحمن وعمر وعثمان وطلحة، وتوفي يوم الاثنين.
          وأبو قُحَافة: بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة فألف ففاء فتاء تأنيث ممنوع من الصَّرف للعلمية والتأنيث اللَّفظي كنية والد الصِّديق، واسمه: عثمان، فأبو بكر هو: عبدُ الله بن عثمان بن عامر بن عَمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التَّيمي يجتمعُ مع النَّبي عليه السلام في مرَّة بن كعب وعددِ آبائهما إلى مرَّة سواء، ويجتمعُ نسبه مع أمِّه في عامر بن عَمرو بن كعب، ولقِّب أبو بكر الصِّدِّيق، لسبقهِ إلى تصديقِ النَّبي عليه السلام.
          وقال النوويُّ في ((التهذيب)): أجمعتِ الأمَّة على تسميتهِ بالصِّديق قال علي بن أبي طالب: إن الله تعالى هو الذي سمَّى أبا بكر على لسانِ رسولِ الله صلعم صديقاً، وسبب تسميتهِ بذلك أنه بادرَ إلى تصديقِ رسولِ الله صلعم ولازمَ الصِّدق ولم يقعْ منه وقفةٌ في حال من الأحوالِ. انتهى.
          وعند الطَّبراني بإسناد رجالُه ثقاتٌ من حديث عليٍّ أنه كان يحلفُ أن الله تعالى أنزلَ اسم أبي بكرٍ من السماء الصِّديق، وفي العيني: ذكرَ ابنُ سعد أنَّ النَّبي لما أسريَ به قال لجبريل عليه السلام: إنَّ قومِي لا يصدِّقوني فقال له جبريل: يصدِّقك أبو بكر وهو الصِّديق قال: وعن إبراهيم النَّخعي كان يسمَّى: الأواه، والتَّيمي _بفتح الفوقية_: نسبةً إلى جدٍّ له أعلى كما علمتْ، وترجمته أفردَتْ بالكلام.
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى): بجرِّ ((قول)) ورفعه عطفاً على مناقبِ بالوجهين، ولأبي ذرٍّ: <╡> ({لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا} [الحشر:8]): هذه الآية في أثناء سورة الحشر.
          قال البيضاويُّ كالزمخشري: {لِلْفُقَرَاءِ} بدل من قوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر:7] وما عطفَ عليه فإن الرسولَ لا يسمَّى فقيراً، قال: ومن أعطَى الأغنياءَ ذوي القُرْبى خصَّص الإبدال بما بعدَه، والفيءُ بفيء بني النَّضير. انتهى فليتأمل.
          تخصيصُ الإبدالِ بما بعدَ ذي القُرْبى عند من يعطِي أغنياءهُم فلئلا يقتضِي أن لا يعطِي الأغنياء مع أنَّ هذا القائل يجوزُ إعطاءهم، وأما تخصيصُ الفيءُ بفيء بني النَّضير، وكون الرَّسول صلعم لا يسمَّى فقيراً ظاهرٌ؛ لأنَّ الله تعالى رفعَ منزلتَهُ عن أن يسمَّى بذلك لأنَّه مذمومٌ.
          قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268] والفقرُ أربعة أشياء: فقرُ الحسناتِ في الآخرة، وفقرُ القناعةِ / في الدنيا، وفقرُ المقتنى؛ أي: المال، وفقرهما؛ أي: القناعة والمال، وكلُّ هذه لا تجوزُ على النبي صلعم إلا فقر المال، فإنه لا محذورَ فيه، إذا كان معه قناعة. فافهم.
          والغنى يقابلُ الفقرَ بالمعاني المذكورة فمَن فقد القناعةَ والمقتنى فهو الفقيرُ المطلق على سبيلِ الذَّم ومن فقدَ القناعة دون القنية فهو الغنيُّ بالمجاز الفقير بالحقيقةِ، ومن فقد القنية دون القناعة فإنه يقال له: فقيرٌ وغنيٌّ، قاله القسطلاني، ولا يخلو من شيءٍ لمن تدبر.
          {الْمُهَاجِرِينَ} نعت {لِلْفُقَرَاءِ} وفيه مع باقِي الآية المناسبة.
          وقوله: ({الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}): الموصول نعتٌ ثانٍ وما بعدَه صلته، وذلك لأن كفَّار مكة أخرجُوهم من منازلهم وأخذوا أموالهم، وجملة: ({يَبْتَغُونَ}): أي: يطلبونَ بهجرتهِم حالية مقيَّدة لإخراجهم بما يوجبُ تفخيم شأنهم.
          ({فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}): معطوفٌ على (({يَبْتَغُونَ})) أي: ينصرونَ دينهما، وشرعهما بأنفسهم وأموالهم ({أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}): أي: الذين ظهرَ صدقُهم في إيمانهم، وسقطَ لأبي ذرٍّ قوله: <{الذين أخرجوا من ديارهم}> إلى آخر الآية.
          (وَقَالَ): ولأبي ذرٍّ: <وقال الله> أي: في أثناء سورة براءة ({إِلَّا}): أي: إن لم ({تَنْصُرُوهُ}): فإن شرطية و((لا)) نافية مدغمة نونها في لا فليست إلا للاستثناء كما توهمه بعض الأغبياء فقال: ما هذا الاستثناء وهو حقيقٌ أن يجابَ كما قال بعضُ المحققين: إنه متصلٌ بجهلهِ منقطع عن فضله.
          وجملة: ({فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة:40]): جواب إن وقوله: (إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}): سقط لأبي ذرٍّ.
          وقال في ((الفتح)): ساقَ في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله: <{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}> وقال البيضاويُّ: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} أي: إن لم تنصروه فينصره الله كما نصرَه إذ أخرجَه الذين كفروا ثاني اثنين ولم يكن معه إلا رجلٌ واحدٌ، فحذف الجزاء وأُقيم ما هو كالدَّليل عليه مقامه أو إن لم تنصروه فقد أوجبَ الله له النُّصرة حتى نصرهُ في مثل ذلك الوقت فلن يخذلهُ في غيره، وإسناد الإخراجِ إلى الكفرة؛ لأنَّ همهم بإخراجهِ أو قتله تسبب لإذن الله له في الخروج، وقرئ: ▬ثاني اثني↨ بالسكون على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصُور في الإعراب، ونصبه على الحال {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} بدل من {إِذْ أَخْرَجَهُ} بدل البعض إذ المرادُ به زمان متَّسع، والغار: ثقبٌ في أعلى ثور، وثور: جبلٌ في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثاً.
          {إِذْ يَقُولُ} بدل ثان أو ظرف لـ{ثَانِيَ} {لِصَاحِبِهِ} وهو أبو بكر {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} بالعصمةِ والمعونةِ، رويَ أنَّ المشركين طلعوا فوقَ الغار، فأشفقَ أبو بكر على رسولِ الله صلعم فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ما ظنُّك باثنينِ / الله ثالثهما)) فأعماهُم الله عن الغار فجعلوا يتردِّدون حوله فلم يروه، وقيل: لما دخلَ الغار بعثَ الله حمامتين فباضتا في أسفلهِ، والعنكبوت فنسجَتْ عليه.
          وقال في ((الفتح)): أشار المصنِّف بهذه الآية إلى ثبوتِ فضل الأنصار فإنهم امتثلوا الأمرَ في نصره وكان نصرُ الله له في حال التَّوجه إلى المدينة يحفظه من أذَى المشركين الذين اتَّبعوه ليردوه عن مقصدِهِ.
          وقال: وفي الآية أيضاً: فضل أبي بكر؛ لأنه انفردَ بهذه المنقبة حيث صاحبُ رسولِ الله صلعم في تلك السُّفرة ووقاهُ بنفسهِ، وشهدَ الله له فيها بأنه صاحبَ نبيِّه صلعم.
          (قَالَتْ): وفي بعض الأصول: <وقالت> (عَائِشَةُ): أي: الصِّديقة مما وصله المصنِّف في باب الهجرة إلى المدينة الآتي إن شاء الله تعالى (وَأَبُو سَعِيدٍ): أي: الخُدري، وأخرجه ابنُ حبَّان بسنده إلى أبي سعيد في قصَّة بعث أبي بكر إلى الحجِّ، وفيه: فقال له رسولُ الله: ((أنت أخي وصاحبي في الغار)).
          (وَابْنُ عَبَّاسٍ): ممَّا أخرجَه أحمدُ والحاكم عنه (♥: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ☺ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي الغَارِ): أي: غار ثورٍ لما خرجا من مكَّة إلى المدينة مهاجرين، وقد روى المصنِّف في مناقب أبي بكر عشرين حديثاً، والوارد منها في السنة كثيرة جداً.