الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب الحسن والحسين

          ░22▒ (بَابُ مَنَاقِبُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ☻): سقط: <باب> لأبي ذرٍّ، وقال في ((المنحة)): وفي نسخة بدل: ((☻)): <عليهما السلام> وهما ولدا عليِّ بن أبي طالب من فاطمة الزَّهراء بنت رسول الله صلعم ورضي عنهما وعن أبويهما، وكان مولد الحَسَن _بفتحتين_ وهو أكبرهما في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكنيته أبو محمَّد، كناه بذلك رسول الله صلعم، وسمَّاه: الحسن، وعق عنه يوم سابع ولادته.
          قال النَّووي: روي عن ابن الأعرابي عن الفضل قال: إنَّ الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتَّى سمى بهما النَّبي صلعم ولديه الحسن والحسين، قلتُ له فاللذين باليمن، قال: ذاك حسْن _بسكون السين_ وحَسِين _بفتح الحاء وكسر السين_ انتهى.
          وتوفِّي بالمدينة شهيداً مسموماً من زوجته طمعاً فيما وعدها به يزيد، عامله اللهُ وإيَّاها بما يوجب التَّشديد، وكان سنة خمسين، وقيل: سنة تسعة وأربعين، وقيل: بعد الخمسين، ودفن بالبقيع عند العباس ولم يكن بين ولادته، والحمل بالحسين إلا طهرٌ واحدٌ، قاله في ((الكواكب)) و((العمدة)) كـ((التَّهذيب))، وهو قد يقتضِي أن فاطمة كانت تحيضُ، لكن اشتهر أنها لُقِّبَتْ بالزَّهراء لكونها لا تحيضُ، وبهذا الذي اشتهر صرَّح في ((الفتاوى الظَّهيرية من كتب الحنفيَّة)) فقال: ولما ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة؛ لئلا تفوتها صلاة، ولذلك سمِّيت بالزَّهراء.
          قال المناوي في ((إتحاف السَّائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل)) وممَّن جزمَ بذلك من أصحابنا الشَّافعية المحبُّ الطَّبري، وأوردَ فيه حديثين أنها حوراء آدميَّة، طاهرة مطهَّرة لا تحيضُ، ولا يرى لها دم في طمثٍ ولا ولادة.
          قال: لكن الحديثان المذكوران رواهما الحاكم وابن عساكر عن أمِّ سليم زوج أبي طلحة، وهما موضوعان كما جزمَ به ابن الجوزي، وأقرَّه على ذلك جمع منهم الجلال السُّيوطي مع شدَّته عليه، انتهى.
          وعبارة ((شرح الهمزيَّة)) للعلامة ابن حجر المكِّي: وسمِّيت بالزَّهراء؛ لأنها لم تحض كما في حديث رواه النَّسائي، وروى الخطَّابي: ((ابنتي فاطمة حوراء آدميَّة، لم تحضْ ولم تطمثْ))، وإنما سمَّاها فاطمة؛ لأنَّ الله تعالى فطمَها وحجبها عن النار، انتهى. فتأمله.
          وأما الحسين فكان مولده في شعبان سنة أربع في قول الأكثر، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين يوم الجمعة، وقيل: يوم السبت بكربلاء من أرض العراق، قتله سِنَان _بكسر السين المهملة ونونين بينهما ألف_ ابن أنس النَّخعي، وأخذ رأسه الشَّريف إلى الشام ليزيد، ودفنت / جثَّته الشَّريفة في الكوفة، ويسمَّى الموضع بمشهد الحسين، وهو مشهور معروف يُتبرَّك به ويُزار، وحزن الناس عليه كثيراً، وحقٌّ لمن بلغه قتله الحزن عليه، لكن على وجه لا يكون محرماً كما تفعل الشِّيعة.
          قال في ((الفتح)): وكان أهل الكُوفة لما مات معاوية ☺، واستخلفَ يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته، فخرج الحسين إليهم، فسبقه عُبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فخذلَ غالب النَّاس عنه، فتأخروا رغبةً ورهبةً، وقتل ابن عمِّه مسلم بن عقيل، وكان الحسينُ قدَّمه قبله ليبايع له النَّاس، ثم جهز إليه عسكراً، فقاتلوه إلى أن قُتِلَ هو وجماعة من أهل بيته ♥، والقصَّة مشهورة فلا نطيل بشرحها وتفصيلها، تَكْلِمُ القلوبَ، والأمر لعلَّام الغيوب.
          وجمعه البخاري مع أخيه في ترجمة واحدة لاشتراكهما في كثيرٍ من الأحاديث؛ كقوله عليه السلام فيهما: ((الحسنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّة))، وكقوله: ((هما ريحانتَاي مِن الدُّنيا))، وكقوله: ((إنَّ ابني هذين ريحانتَاي من الدُّنيا)) وما أحسنَ قول صاحب الهمزيَّة:
وبريحانتين طيبهما منك                      الذي أودعتهما الزهراء
كنت تأويهما إليك كما                     آوت من الخط نقطتيها الياء
من شهيدين ليس ينسيني                     ألطف مصابيهما ولا كربلاء
          الأبيات.
          وبالسند قال:(قَالَ): ولأبي ذرٍّ: <وقال> (نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ): تصغير جبر بالجيم؛ أي: ابن مطعم مما وصله المصنف مطولاً في البيوع.
          (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: عَانَقَ النَّبِيُّ صلعم الْحَسَنَ): بفتحتين؛ أي: ابن عليٍّ رضي الله تعالى عنهما، وعانقَ مصدرُه: المعانقةُ، والعِنَاق _بكسر العين_؛ أي: ضمَّ النَّبي عليه السلام الحسن إلى عنقه، وهذا يدلُّ على كمال المحبَّة له، ففيه منقبةٌ ظاهرةٌ.