الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب عثمان بن عفان

          ░7▒ (بَابُ مَنَاقِبِ): أي: بيان مناقب (عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ): بمنع عثمان قطعاً وصرف عفان احتمالاً، وسقط: <باب> لأبي ذرٍّ فمناقب مرفوع (أَبِي عَمْرٍو): بفتح العين كنية عثمان الشهيرة ويكنى أيضاً بأبي عبد الله لكنها دون الأولى في الاشتهار، وذلك بابن له من رقيَّة بنت رسولِ الله صلعم ومات عبد الله صغيراً وله ستُّ سنين.
          وحكى ابنُ سعد أنَّ موتَه كان سنة أربعٍ من الهجرة وماتت أمُّه رقيَّة قبل ذلك سنة اثنتين والنَّبي عليه السَّلام في غزوة بدرٍ، وكان بعض من ينتقص عثمان يكنيه: أبا ليلى، حكاه ابنُ قُتيبة، ويكنى أيضاً: بأبي ليلى وبأبي نائلة، ويلقَّب بذي النُّورين.
          فقد روى خيثمة في ((الفضائل)) والدَّارقطني في ((الأفراد)) من حديث عليٍّ أنه ذكر عثمان فقال: ذاك امرءٌ يُدعى في السَّماء: ذا النورين.
          وقال المهلَّب بنُ أبي صفرة: قيل له ذلك: لأنه لم يعلمْ أحد تزوَّج ابنتي نبي غيره، وقيل: أنه / كان يختمُ القرآنَ في الوتر، فالقرآن نورٌ وقيام الليلِ نورٌ، وقيل: لأنه إذا دخلَ الجنَّة برقتْ له برقتين، ولذا قيل له: ذو النُّورين.
          وفي ((الرياض النَّضرة)) للمحبِّ الطَّبري: أخرج ابنُ ماجه وأبو الحسن الخِلَعِي وابنُ عساكر عن أبي هريرة قال: قال عثمان: لما ماتَتْ امرأتُه بنت رسولِ الله صلعم بكيْتُ بكاء شديداً، فقال رسولُ الله صلعم: ((ما يبكيك؟)) فقال: أبكِي على انقطاعِ صهرِي منك، قال رسولُ الله: ((فهذا جبريلُ يأمرُني بأمرِ الله ╡ أن أزوِّجَك أختها)).
          قال: وعن ابن عبَّاس بمعناه وزاد فيه: ((والذي نفسِي بيده لو أنَّ عندي مئة بنت تموتُ واحدةً بعد واحدة زوَّجتُك أخرى حتى لا يبقَى من المئة شيءٌ هذا جبريلُ أخبرني أنَّ الله ╡ يأمرُني أن أزوِّجك أختها، وأن أجعلَ صدَاقها كمثلِ صداقِ أختِهَا)) أخرجَه الفضَائلي.
          عن عليٍّ قال: سمعتُ رسول الله يقول: ((لو كان عندي أربعون بنتاً لزوجت عثمان واحدة بعد واحدةٍ حتى لا يبقَى منهنَّ واحدة)) خرَّجه أبو حفص ابنُ شاهين وابنُ السمَّان.
          (القُرَشِيِّ): نسبة لقريش (☺): يجتمعُ مع النَّبي صلعم في عبد منافٍ، فإنه عثمان بن عفَّان بن أبي العاص بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف لكن عدد ما بينهما من الآباء متفاوتٌ فالنَّبي صلعم من حيث العددُ في درجةِ عفَّان، كما وقعَ لعمر سواء، كذا في ((الفتح)). فليتأمل.
          وكان من السَّابقين للإسلام، وكانت خالتُه سعدى بنت كُريز ممَّن دعاهُ إلى الإسلام، وفي ذلك تقول: وفي تزوجه رقيَّة بنت رسولِ الله صلعم:
هَدَى اللَّهُ عُثمَانَا بقَوْلِي إلَى الهُدَى                      وأَرْشَدَهُ واللَّهُ يَهْدِي إلَى الحَقِّ
فتَابَعَ بالرَّأْيِ السَّدِيدِ مُحمَّدًا                     وكَانَ بِرَأْيٍ لَا يَصُدُّ عَنِ الصِّدْقِ
وأَنْكَحَهُ المَبْعُوثُ بالْحَقِّ بِنتَهُ                      فَكَانَ كبَدْرٍ بَازَخِ الشَّمْسَ فِي الأُفْقِ
فَدَتْكَ يَا ابْنَ الهَاشمِيِّينَ مُهْجَتِي                     وأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ أُرْسِلْتَ لِلْخَلْقِ
          وأمُّه: أروى بنت كُرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمُّها: أم حكيم البيضَاء بنت عبد المطَّلب عمَّة رسول الله صلعم.
          قال في ((الفتح)): وهي شقيقةُ عبد الله، والد النَّبي صلعم، وكان النَّبي عليه السَّلام ابن خال والدتهِ، قال: وقد أسلمت أم عثمان، وروى محمَّد بن الحسن المخزومِي في كتاب ((المدينة)) أنها ماتتْ في خلافةِ ابنها عثمان، وكان ممَّن حملها إلى قبرها، قال: وأما أبوهُ فهلك في الجاهليَّة.
          (وَقَالَ النَّبيُّ صلعم): مما سبقَ موصولاً في أواخر كتاب الوقفِ (مَنْ يَحْفِرْ): بكسر الفاء والجزم بمن على أنها شرطيَّة، ولأبي ذرٍّ بالرفع على أنها موصولةٌ، / ووقع في بعضِ الأصول: <من حفرَ> بالماضي، وفي ((من)) الوجهان.
          (بِئْرَ): بالهمز والياء (رُومَةَ): بضم الراء فواو ساكنة، ممنوعٌ من الصرفِ، وهذه البئرُ قرب المدينة من جهة الجرف عن يمين الذاهبِ من الشام، وعليها الآن عمارة ويستقَى من مائها (فَلَهُ الجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ): أي: ابن عفان ☺.
          قال الكرمانيُّ: لما قدم رسولُ الله صلعم المدينة وليس بها ماء يُسْتعذبُ غير بئرِ رومة، قال عليه السَّلام: ((مَن اشترى بئرِ رُومةَ، أو من حفَرها فله الجنَّة)) فحفَرَها عثمان، أو اشتراها بعشرين ألف درهم.
          (وَقَالَ): أي: النَّبي صلعم مما سبقَ أيضاً في الوقف (مَنْ جَهَّزَ): بفتح الهاء مشددة (جَيْشَ العُسْرَةِ): أي: هي غزوة تبوك، وسمِّيتْ بذلك؛ لأنها كانت في زمان شدَّة الحرِّ، وجهدِ البلاد، وفي شقَّة بعيدةٍ وعدو كثير.
          (فَلَهُ الجَنَّةُ فَجَهَّزَهُ): أي: جيش العُسْرَة (عُثْمَانُ): أي: ابن عفان ☺؛ أي: بألف دينارٍ، كما رواه أحمدُ والتِّرمذي من حديث عبد الرَّحمن بن سَمُرة وبثلاثمائة بعيرٍ كما روياه من حديث عبد الرَّحمن بن خبَّاب السُّلمِي.
          قال في ((الفتح)): وعند ابنِ عدي من حديث حذيفة، فجاء عثمان بعشرة آلاف دينار لكن سنده واهٍ ولعلها كانت بعشرة آلاف درهم فوافقَ ألف دينارٍ، وسبقَ الكلام على التَّعليق مبسوطاً في ذلك الباب.
          وقال في ((المنحة)): فجهَّزه عثمان؛ أي: بألف دينارٍ وتسعمائة وخمسين بعيراً وخمسين فرساً، وذكر في هذا الباب خمسة أحاديث فقال: