الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب خالد بن الوليد

          ░25▒ (باب مَنَاقِبِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ☺): سقط: <باب> وحده لأبي ذرٍّ، وهو خالدُ بن الوليد _بالتَّكبير_ ابن المغيرة بن عبد الله بن عُمر _بضم العين_ ابن مخزوم بن يَقَظة _بفتح التحتية والقاف والظاء المشالة_ ابن مرَّة بن كعبِ بن لؤيٍّ، يجتمعُ مع النبيِّ صلعم في مُرَّة، / وكذا مع أبي بكرٍ، يكنى: أبا سُليمان، وقيل: أبو الوليد، والأوَّل أشهرُ، فقد ثبتَ عن عُمر بن الخطَّاب أنه بلغه أن نسوةً من نساءِ المدينة اجتمعنَ في دارٍ يبكينَ عليه حين مات، وقد حزنَ عليه عُمر والناس حزناً شديداً، فقال عمر: وما عليهنَّ أن يبكينَ أبا سُليمان، وفي لفظ: ما عليهنَّ أن يسفكنَ من دموعهنَّ على أبي سُليمان ما لم يكن نقعٌ ولا لقلقَةٌ.
          وما قاله ابن الملقن وتبعهُ بعض الشُّرَّاح من أنَّ القائل ذلك أو نحوهُ أبو بكرٍ الصِّديق، وأنه ماتَ في خلافته، فهو غلطٌ فاحشٌ، كما نبَّه على ذلك من بعده كصاحب ((الفتح)) و((العمدة)) وأنه إنما ماتَ في خلافة عمر سنة إحدى وعشرين بحمص على فراشهِ، لا في المدينة، كما قالهُ ابن دُحيم فإنه غلطٌ أيضاً، فاعرفه.
          وله من العمر بضعٌ وأربعون سنة أسلمَ بين الحديبية والفتح ويقالُ: قبل غزوة مؤتة بشهرين وكانت في جمادى سنة ثمان.
          قال في ((الفتح)): وحكى ابنُ أبي خيثمة أنه أسلمَ سنة خمس، وهو غلطٌ، فإنه كان بالحديبية طليعةً للمشركين وهي في ذي القعدة سنة ستٍّ، وقال الحاكم: أسلم سنة سبع، زاد غيره: وقبل عمرة القضاءِ والرَّاجحُ الأول، انتهى.
          وأمُّه: لبابة الصُّغرى بنت الحارث أخت ميمونة زوجة رسولِ الله، وأختُ لبابة الكبرى امرأة العبَّاس أم الفضل، قال النَّووي: واختلفَ في إسلامها وفي صُحبتها فأثبتهما الواقديُّ، انتهى.
          وقال ابن عبد البرِّ في ((الاستيعاب)): وفي إسلامها وصحبتها نظرٌ، انتهى.
          وكان خالدٌ من المشهورين في الشَّجاعة، بل كان مقدَّماً على خيول قريشٍ في الجاهليَّةِ ولم يزل منذ أسلمَ يوليه رسول الله صلعم أعنَّة الخيل، وسمَّاهُ رسولُ الله صلعم: ((سيف الله)) وله اليدُ الطُّولى في قتال أهل الرِّدَّة وفتوحِ العراق والشام، وشهدَ مع النَّبي صلعم عدَّة مشاهد: منها: فتحُ مكَّة، وقد أخرج سعيدُ بن منصور عن جعفرٍ أن خالدَ بن الوليد فتقَ قلنسوةً فقال: اعتمرَ رسولُ الله فحلقَ رأسه، فابتدرَ الناس شعره فسبقتُهم إلى ناصيتهِ فجعلتها في هذهِ القَلنسُوة، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلَّا رُزِقت النَّصرَ، ولما حضرتْ خالدٌ الوفاة قال: لقد شهدتُ مائة زحفٍ أو نحوها، وما في بدني موضعُ شبرٍ إلا وفيه ضربةٌ أو طعنةٌ أو رميةٌ، وها أنا أموتُ على فراشِي، فلا نامتْ أعين الجبناء، وما لي من عملٍ أرجَى من لا إله إلا الله، وأنا مُتَترِّسٌ بها ☺ وأرضاه.
          وفي ((العيني)) قال الزبير بن بكَّار: انقرضَ ولد خالدٍ ولم يبق منهم أحدٌ، وورثهُم أيوب بن سلمة، انتهى.
          وقد زرتُ ضريحهُ الشَّريف بحمص حين توجُّهي لزيارتهِ وزيارة سيدي إبراهيم بن أدهم، وكان سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف، وامتدحتهُ بقصيدةٍ متطفِّلاً على جنابهِ راجياً فضل سحابة، وقد أثبتُّها في رحلتي المسماة بـ((البسط التَّامِّ في الرحلة لبعض بلاد الشام)) فقلت: /
فاز من أم خالد بن الوليد                      من كبير أتاه أو من وليد
شرفت فيه حمص وتباهت                     يا له من شجاع همام شديد
وهو من خير أصحاب طه                      حاش من أمهم يعود بالتبعيد
قادة من مات منهم بأرض                     كان في أهلها الشفيع عند الحميد
هكذا النص في حديث روينا                     عن ثقات فاعلم بلا تفنيد
وهو من نسل قوم كرام                     يدعون من أكارم صيد
قرشي أبوه حاز فخاراً                     بانتساب لأصل مجد حميد
أمه لبابة الصغرى وأخت                      ميمونة زوج النبي السعيد
لم يزل في أعنة الخيل ينقا                      د له كل قرم شديد
وهو سيف الإله قد سل جهراً                      ما نضاه إلا لقتل العنيد
فتح الله به المغالق حقاً                       كابن جراح الأمين الرشيد
هما فتحا الشام فتحاً مبيناً                      دام بالعز والهناء والعيد
جئت هذا الإمام أرجو نداه                      حاش من رامه يعود بالتنكيد
أوف أوف بالعطايا سريعاً                      من أتاكم من المكان البعيد
نجل لجراح من قد تسمى                      باسم نجل الخليل ذي التوحيد
          ومناقبه كثيرة شهيرة.