الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب بلال بن رباح

          ░23▒ (باب مَنَاقِبِ بِلاَلِ بْنِ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ☻): سقطَ لفظ <باب> وحدهُ لأبي ذرٍّ، ((بِلَال)) بكسر الموحدة وتخفيف اللامين بينهما ألف، علمٌ منقول من المصدرِ، و((رَبَاح)) بفتح الراء والموحدة الخفيفة فألف فحاء، اسمُ أبيه، وأمه: حَمَامة _بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميمين_ كانت لبعضِ بني جُمَح، وكان بلالٌ قديمِ الإسلام والهجرة، شهدَ المشاهد كلَّها مع رسول الله صلعم.
          وكان صادقَ الإسلام طاهرَ القلبِ حريصاً على دينهِ، ومن ثُمَّ عُذِّب في الله عذاباً شديداً ليرجع عن الإسلام فصبر ☺، وقدَّرَ اللهُ أن الذي كان يعذِّبُه وهو أميَّة بن خلف قتله بلالٌ يوم بدرٍ، فقال أبو بكر أبياتاً منها:
هَنِيْئاً زَادَكَ الرَّحْمَنُ خَيْراً                     فَقَدْ أَدْرَكْتَ ثَأْرَكَ يَا بِلَالُ
          وكان بلالٌ من مولدي مكة، وقال ابنُ سعد: كان من مولدي السراة، وجاءَ عن أنسٍ كما عند الطبراني وغيره أنه: حبشيٌّ، وقيل: نوبي، وكان شديدَ الأدمة نحيفاً طوالاً خفيفَ العارِضَين، وكنيته: أبو عبدِ الكريم، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عَمرو، ولم يُفَارق النَّبي صلعم في حياتهِ، وكان مؤذِّنه في الحضرِ والسَّفرِ، فلما تُوفِّي رسولُ الله صلعم استأذنَ مولاهُ أبا بكرٍ أن يذهب للشَّامِ للجهادِ فأذن له.
          لكن قال في ((الفتح)): أن أبا بكرٍ قال لبلالٍ أُنشِدكُ الله وحقِّي، فأقام حتى توفي، فلمَّا مات أذن له عمر فتوجَّه إلى الشام مجاهداً، فأقام بها إلى أن ماتَ بدمشق سنة عشرين، وهو ابن ثلاثٍ وستين سنة، وقبره في تربة باب الصغير في الموضعِ المشهور، وعليه عمارة مشرقة بالأنوار، وقيل: في مكان قريبٍ منه منخفضٌ، وقيل: في باب كيسان، واشتهر فيه أنه ابن حَمامة، ويتوهَّمونُ أنه غيرُ بلالٍ المعروف، وقيل: في داريا، وقيل: في حلب، وردَّهُ المنذري فقال: الذي مات بحلب أخوهُ خالد، وقال السَّمعاني: في المدينة، قال النووي: وهو غلطٌ ولم يعقِّب بلال، وله أخٌ اسمه: خالد، وأخت اسمها: عفيرة، ولم يؤذِّن لأحدٍ بعد النَّبي عليه السلام وقيل: أذن لأبي بكر مرَّةً، وأذن لعمرَ حين قدمَ الشام فلم ير باكياً أكثر من ذلك اليوم، وأذن في قدمة قدمها لزيارةِ / قبرِ رسول الله صلعم لطلبِ الصَّحابة ذلك منه فلم يتم الأذانَ لكثرة بكائهِ وبكاءِ الناس.
          وقوله: مولى أبي بكرٍ؛ أي: الصديق؛ لأنَّه كان اشتراهُ أبو بكرٍ بخمس أواق، وقيل: سبع، وقيل: تسعٍ، وأعتقهُ لله تعالى وهو يعذَّب، قيل: إنه كان مدفوناً بالحجارة، وكان مولاهُ أعطاهُ للولدانِ فجعلوا يطوفون به شعابَ مكة، وهو يقولُ: أحد أحد، وفضائلهُ كثيرة.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم): أي: لبلالٍ (سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ): بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء؛ أي: خفقَ نعليكَ.
          وقال الكرماني: السَّير اللَّيِّن بخلافِ الآلةِ، فإنها بضم الدال أيضاً، بل قال في ((القاموس)): إنَّه أعلى، قال: وهو الذي يُضرَب به، والجمع: دُفُوف.
          (بَيْنَ يَدَيَّ): بتشديد الياء (فِي الْجَنَّةِ): وهذا التَّعليقُ وصله المصنِّف في صلاة الليل، وتقدَّم الكلام عليه مبسوطاً.
          وفي الحديثِ: أن الجنَّةَ مخلوقةٌ اليوم.