الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب الزبير بن العوام

          ░13▒ (بَابُ مَنَاقِبُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ☺): الزُّبَير _بضم الزاي وفتح الموحدة_ ابن العَوَّام _بفتح العين المهملة وتشديد الواو_ ابن خُويلد _بضم الخاء المعجمة_ ابن أَسَد _بفتحتين_؛ أي: ابن عبد العُزَّى _بضم العين المهملة وتشديد الزاي_ مقصور، ابن قصِي _بالقاف مصغراً_ يجتمع مع النَّبي صلعم في قصَي وعدد ما بينهما من الآباء إلى قصَي سواء وينسبُ إلى أسد، فيقال: القرشيُّ الأسديُّ.
          وأمُّه: صَفِيَّة _بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء_ بنت عبد المطَّلب عمَّة رسول الله صلعم أسلمَتْ وهاجرَتْ ♦.
          قال النَّووي في ((التَّهذيب)): وتوفِّيت بالمدينة في خلافة عمر بن الخطَّاب ☺، قال: وقد أجمعوا على إسلامِهَا، واختلفوا في أختيها: عاتكةُ وأروى، انتهى.
          وأقول: ظاهره أنَّ أختها الرَّابعة وهي أميمة لم يقل أحد بإسلامها، وتقدَّم قريباً في مناقبِ قرابة رسولِ الله أنَّهم قالوا: إنَّ ما عدا صفيَّة مختلف فيها، فليتأمَّل.
          والزُّبير: أحد العشَّرة أبو عبد الله رابع الإسلام، قال النَّووي: أسلم وهو ابنُ خمسة عشر سنة، وقيل: ستة عشر، وقيل: وهو ابنُ ثمان سنين، وقيل: ثنتي عشرة سنة، وكان إسلامه بعد إسلام أبي بكر ☺ بقليل، وقيل: كان رابعاً، ثمَّ قال: أو خامساً، وهاجر الزُّبير ☺ إلى الحبشة، ثمَّ إلى المدينة، وواخى رسولُ الله صلعم بينه وبين ابن مسعود حين آخى بين المهاجرين بمكَّة، فلمَّا قدم المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش، وهو أوَّل من سلَّ سيفاً في سبيل الله، وذلك حين سمع: أنَّ رسول الله صلعم أخذه العدو، فخرج الزُّبير يشقُّ النَّاس بسيفه، فلقيه رسولُ الله صلعم بأعلى مكَّة، فقال له: ((ما لك؟)) قال: أُخبرت أنَّك أخذت، فصلَّى عليه ودعا له.
          شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسولِ الله صلعم، وشهد اليرموك وفتح مصر، وشهد مع عائشة يوم الجمل، ثمَّ لما ذكَّره عليٌّ قول النَّبي صلعم له: ((تحبُّ عليًّا))، فقلت له: ألا أحبُّ ابن خالي وابن عمَّتي وعلى ديني، فقال: ((يا زبير، أمَا والله لتقاتلنَّه وأنت ظالمٌ له)) فقال: بلى، والله لقد نسيتُ منذ سمعتُه من رسول الله صلعم، ثمَّ ترك القتال ورجعَ، فلحقَهُ جماعةٌ من الغواة فقتلوهُ بوادي السِّباع بناحية البصرة سنة ستٍّ / وثلاثين، وكان عُمره حينئذٍ سبعاً وستِّين سنة، وقيل: ستًّا وستِّين، وقيل: أربعاً وستِّين، قتله عَمرو بن جرموز غيلة، وجاء إلى عليٍّ يبشره بقتلهِ، فبشَّره بالنار، كما جاء بذلك الحديث عن المختار، وهو حواريُّ رسول الله، كما قال البخاري معلَّقاً.
          (وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: هُوَ): أي: الزبير (حَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلعم): قال في ((الفتح)): هو طرف من حديث سيأتي في تفسير براءة عن ابن عبَّاس قال: وله طرقٌ من أغربها ما أخرجَه الزبيرُ بن بكَّار من مرسل أبي الخير يزيد بن اليزني بلفظ: ((حواريِّ من الرِّجال: الزُّبير، ومن النِّساء: عائشة))، ورجاله موثَّقون.
          تنبيه: حَوَاريِّ _بفتح الحاء المهملة وتخفيف الواو وتشديد الياء_ لفظٌ مفرد النَّاصر، وقيل: الخالص الصَّافي، وعن الضَّحَّاك هو: الغسَّال بالنبطيَّة، لكنهم يجعلون الحاء هاء، وعن قتادة هو الذي يصلحُ للخلافة، وعنه أيضاً هو الوزيرُ، وعن ابن الكلبيِّ هو الخليل.
          قال الكرمانيُّ: فإن قلت: الصَّحابة كلهم أنصار رسولِ الله صلعم خلَّصاً له، فما وجه التَّخصيصِ بالزُّبير؟ قلت: هذا قاله حين قال يوم الأحزاب من يأتيني بخبر القوم، فقال الزُّبير: أنا، ثمَّ قال مرَّة ثانية وثالثة كذلك، ولا شكَّ أنه في ذلك الوقت [نَصَر] نُصْرة زائدةً على غيره.
          ومناقبه ☺ كثيرة، وسيأتي آخر الباب التعرُّض لبعضها.
          (وَسُمِّيَ): بالبناء للمجهول (الْحَوَارِيُّونَ): بتشديد الياء؛ أي: بذلك، فالمفعول الثاني محذوف (لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ): تعليل لتسميتهم بذلك، قال العينيُّ: هذا من كلام البُخاري أرادَ به حواريِّ عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، ووصله ابنُ أبي حاتم من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس به، قال أبو أَرْطَاة: كانوا قصَّارين فسمُّوا بذلك؛ لأنهم كانوا يحوِّرون الثِّياب؛ أي: يبيِّضونها.
          وقال الضَّحَّاك: سمُّوا حواريين لصفاء قلوبهم، وقال عبدُ الله بن المبارك: سمُّوا بذلك؛ لأنَّهم كانوا نورانيِّين، عليهم أثرُ العبادة ونورها وبهاؤها، وأصل الحوار عند العرب البياض، ومنه الأحور والحوراء ودقيق حواري، وقال النَّضر بن شُميل: الحواري: خاصَّة الرَّجل الذي يستعينُ به فيما ينوبه، وقيل: الحواريُّون كانوا صيَّادين يصطادون السَّمك، وقيل: كانوا صبَّاغين، وقال الثَّعلبي: كانوا أصفياء عيسى عليه السَّلام.