الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب

          ░19▒ (بَابُ مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ☻): وسقط لفظ: <باب> لأبي ذرٍّ، تقدَّم تمام نسبه في ترجمة أبيه، وهو أحدُ العبادلة، وفقهاء الصَّحابة والمكثرين للحديث، وأمُّه وأمُّ أخته حفصة أمِّ المؤمنين زينب، ويقال: رائطة بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون، وقدامة بن مظعون ولجميعهم صُحبة، وكان مولد ابن عمر سنة ثلاث من البعثةِ.
          قال في ((الفتح)): وتقدَّم زمان وفاته في الصَّلاة، وأنها كانت بمكَّة بسبب من الحجَّاج بن ثقيف المشهور دسَّ عليه من مسَّ رجله في الرِّكاب بحربةٍ مسمومةٍ، فمرضَ بها إلى أن ماتَ أوائل سنة أربع وسبعين.
          وقال غيره: مات سنة ثلاث وسبعين بعد قتل عبد الله بن الزُّبير ☻ بثلاثة أشهر، وعمره ستٍّ وثمانون سنة، وكان له من الأولاد: سالم، وعبد الله، وعاصم، وحمزة، وبلال، وواقد، وبنات، ومن كلامه ☺: البرُّ شيءٌ هيِّنٌ: وجهٌ طليقٌ، وكلامٌ ليِّن / .
          واعتزلَ الفتنة ولم يقاتل في الحروب التي جرتْ بين المسلمين، وشهد المشاهد كلَّها مع رسولِ الله صلعم، وكان عابداً، مجتهداً في العبادة، ملازماً للسنَّة، ناصحاً للأمَّة، كثير الصَّدقة فربما تصدَّق في المجلس بثلاثين ألفاً.
          قال نافع: كان ابنُ عمر إذا اشتدَّ إعجابه بشيءٍ من ماله تصدَّق به لله تعالى، وكان أرقاؤه عرَفوا منه ذلك فربَّما لزم أحدُهم المسجد، فإذا رآه ابنُ عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقَه فيقولُ له أصحابه: إنَّهم يخدعونَك، فيقول: من خدعنَا باللهِ انخدَعْنا له، وكان كثير الحجِّ.
          قال نافع: سمعتُ ابنَ عمر وهو ساجدٌ في الكعبة فيقول: قد تعلمُ يا رب ما يمنعني من مزاحمةِ قريش إلا خوفك، وكان إذا قرأ هذه الآية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16] بكى حتى يغلبُه البكاء، وكان كثيرَ العتقِ، حتَّى قال نافع: ما مات ابنُ عمر حتى أعتقَ ألف إنسان أو زاد عليه.