الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس

          3649- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: المديني، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة (عَنْ عَمْرٍو): بفتح العين؛ أي: ابن دينار (قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ): أي: الصَّحابي بن الصَّحابي (يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): هو: سعدُ بن مالك الأنصاري.
          (☺، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ): بكسر الفاء وفتح الهمزة ممدوداً فميم هم الجماعة (مِنَ النَّاسِ): لكن لا واحدَ له من لفظه، وقال الجوهريُّ: العامة تقول: ((فيام)) بلا همز.
          قال في ((المصابيح)): لا حرجَ عليهم في ذلك ولا يعدون لاحنين، فإن تخفيف الهمزة في مثله يقلبها حرفاً مجانساً لحركة ما قبلها عربي فصيحٌ قياسي غاية أمرهِم أنهم التزموا هذا التَّخفيف استعمالاً وهو جائزٌ. انتهى.
          وأما قول ((الفتح)): بكسر الفاء ثم تحتية فهمزة، وحكي فيه ترك الهمزة. انتهى.
          ففيه أنه غير محرَّر لمن تدبَّر.
          (فَيَقُولُونَ): أي: الناس المغزون الفئام (هل فِيكُمْ): وسقطت ((هل)) من بعض الأصول وعليها قال القسطلانيُّ: بحذف أداة الاستفهام (مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم): بنصب ((رسول الله صلعم)) مفعول ((صاحب)) و((من)) بفتح الميم موصولة أو نكرة موصوفةٌ، ولو قرئ: ((مِن صاحب رسولِ الله)) بكسر الميم على أنها جارَّة، و((صاحب)) اسم مضاف لـ((رسول الله)) لم يمتنع لكني لم أره هكذا في أصلٍ، فليراجع.
          (فَيَقُولُونَ): أي: الفئام للناسِ (نَعَمْ): بفتحتين، حرف جواب؛ أي: فينا من صاحبه عليه السلام (فَيُفْتَحُ لَهُمْ): بالبناء للمجهول؛ أي: فيفتحُ الله لهم تلك البلاد التي غزوها (ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ): برفع زمان فيه وفي سابقهِ ولاحقهِ.
          (فَيَغْزُوا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم): وهؤلاء التابعون (فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ): أي: للفئام (ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم ؟): بفتح ميم ((من)) في الموضعين كحاء ((صاحب)) والمرادُ اتباع التابعين.
          (فَيَقُولُونَ): أي: لهم (نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ): وتقدَّم هذا الحديث في الباب قبله وكذا في الجهاد.
          قال في ((الفتح)): ويستفادُ منه بطلان قول: من ادَّعى في هذه الأعصَار المتأخرة الصُّحبة لأن الخبر تضمَّن استمرار الجهاد / والبعوث إلى بلادِ الكفَّار وأنهم يسألون هل فيكم أحد من الصَّحابة فيقولون: لا وكذلك في التابعين وفي أتباع التابعين، وقد وقعَ كلُّ ذلك فيما مضَى وانقطعتِ البعوث عن بلاد الكفَّار في هذه الأعصَار بل انعكسَ الحال في ذلك على ما هو معلومٌ مشاهدٌ من مدَّة متطَاولة ولاسيَّما في بلاد الأندلس.
          تنبيه: دلَّ الحديثُ على أن المراتبَ ثلاثة: الصَّحابة، فالتابعون، فتابعوا التابعين.
          ثم قال في ((الفتح)): ووقعَ في رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم ذكر طبقةً رابعةً، ولفظه: ((يأتي على النَّاس زمانٌ يبعثُ منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدونَ فيكم أحداً من أصحابِ النَّبي صلعم، فيوجدُ الرجل فيفتح لهم ثم يبعثُ البعث الثاني إلى أن قال: ثم يكون البعثُ الرابع)) لكن هذه الرواية شاذَّة بل أكثرُ الروايات مقتصر على الثلاثة.
          قال: ومثله حديث واثلة رفعه: ((لا تزالونَ بخيرٍ ما دامَ فيكم مَن رآني وصَاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكم مَن رأى مَن رآني وصَاحبني)) الحديث أخرجه ابنُ أبي شيبة بإسناد حسنٍ. انتهى.
          وقال في آخر الباب: ووقعَ في حديث جعدةَ بن هُبَيرة عند ابنِ أبي شيبة والطَّبراني إثبات القرن الرابع ولفظه: ((خيرُ الناس قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم ثم الآخرون)) ورجاله ثقاتٌ إلا أن جعدَةَ مختلف في صُحبته. انتهى.