الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر مصعب بن عمير

          ░21م▒ (باب ذِكْرِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ☺): ووقع في نسخةٍ: <باب مناقب> سقطَ لفظ: ((باب)) من نسخة، وسقطَ هو والترجمةُ لأبي ذرٍّ، ولعله الأولى؛ لأنَّه لم يذكر فيه شيئاً إلا أن يقال: إنه أشارَ بذلك إلى ما لم يذكره، قيل: لأنه ليس على شرطهِ.
          وفيه أنه ذكر في الجنائز: ((أنَّه لما استشهدَ لم يوجد له ما يكفَّنْ به، فحقُّه أن يذكره هنا أيضاً، ولفظه بعد ذكر السَّند إلى خبَّاب قال: هاجرنا مع النَّبي صلعم نلتمسُ وجه الله، فوقعَ أجرنا على الله، فمنَّا من مات لم يأكلْ من أجره شيئاً، منهم: مصعب بن عُمير، ومنَّا من أينعَتْ له ثمرته فهو يهدبها، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه فيه إلا بردة إذا غطينا بها رأسَه خرجتْ رجلاهُ، وإذا غطَّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النَّبي صلعم أن نغطِّي رأسه، وأن نجعلَ على رجليهِ من الإذخر)) انتهى فتأمل.
          ومُصْعَب _بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين فموحدة_ ابن عمير _مصغراً_ ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدَّار بن قصي بن كلاب بن مرَّة القرشي العبدري، يكنى بأبي عبدِ الله، كان من فضلاء الصَّحابة وخيارهم، ومن السَّابقين إلى الإسلام، أسلم ورسول الله صلعم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفاً من أمِّه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله صلعم سرًّا، فبصر به عثمان بن طلحة العبدري يصلي فأعلم أمَّه وأهله بذلك، فحبسوه فلم يزل محبوساً إلى أن هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة ببعث النَّبي صلعم له بعد العقبة الأولى ليعلِّم الناس القرآن، ويصلِّي بهم، فنزلَ على سعد بن زرارة، وكان يسمى بالمدينة المقرئ، قيل: وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة.
          قال البراء بن عازب: أوَّل من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير، ثمَّ عمرو بن أمِّ مكتوم، ثمَّ عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وبلال، ثم عمر بن الخطَّاب ♥، وشهد مصعب بدراً وكذا أحداً، واستشهدَ بها، قتله ابن قمئة، وكان معه لواء المسلمين، وكان عمره أربعين / سنة أو أكثر، وكان زوج حمنة بنت جحش، وكان أنعم فتًى بمكَّة، وأجوده حلَّة، وأكمله شباباً وجمالاً وجوداً، وكان أبواه يحبَّانه قبل إسلامه حبًّا كثيراً، وكانت أمُّه تكسوه أحسن الثِّياب، وكان أعطر أهل مكَّة، ثم انتهى به الحال في الإسلام إلى أن كان عليه بردة مرقوعة بفرو راضياً بذلك، فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلَّبه ومثواهُ.