الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله

          ░14▒ (بَابُ ذِكْرِ طَلْحَةَ): ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهَنيِّ: <مناقب طلحة> وفي نسخة: <باب مناقب طلحة> (ابْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ☺): وسقط الترضِّي من بعضِ النُّسخ، وعُبيد الله بتصغير عبد المضاف؛ أي: ابن عثمان بن عَمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي، يجتمعُ مع النَّبيِّ صلعم في مرَّة بن كعب، ومع أبي بكرٍ الصِّدِّيق في تيم بن مرَّة، وكان يقال له: طلحة الخير، وطلحة الجود، والفيَّاض، وكان يقال له: طلحة الطَّلحات، وفيه يقول حسَّان:
رَحِمَ اللَّهُ أعْظُماً دَفَنُوهَا                     بِسِجْسَتَانَ طَلحَةَ الطَّلحَاتِ
          ويكنى: أبا محمَّد، واسم أمِّه: الصَّعبة بنت الحضْرَمي، أخت العلاء، أسلمَتْ وهاجرَتْ وعاشتْ بعد ابنها قليلاً.
          قال النَّووي في ((التَّهذيب)): واسم الحضرمِي عبد الله بن عماد _بالميم_، وروى الطَّبري من حديث ابن عبَّاس قال: أسلمت أمُّ أبي بكر وأمُّ عثمان وأمُّ طلحة وأمُّ عبد الرَّحمن بن عوف، وطلحة أحد العشرة المبشَّرين بالجنَّة، والثَّمانية السَّابقين إلى الإسلامِ، وقتل يوم الجمل سنة ستٍّ وثلاثين، قال النَّووي: وهذا لا خلافَ فيه. انتهى وليتأمَّل مع قول الكرمانيِّ.
          وقتل يوم الجمل سنة ثلاث وثلاثين، وقال النَّووي: وقبره بالبصرة يُزار، ويتبرَّك به، رميَ بسهم، وجاء من طُرق كثيرةٍ أنَّ مروان بن الحكم رماهُ، فأصابَ ركبتهِ، فلم يزلْ ينزفُ الدَّم منها حتَّى مات، وكان يومئذٍ أول قتيلٍ، واختلفَ في عمرهِ على أقوالٍ أكثرها أنه كانَ خمساً وسبعين، وأقلها أنه كان ثمانية وخمسين، قاله في ((الفتح)).
          وذكر في ((الرِّياض)): أنه كان حريًّا لعلي، لكن دعاه فذكره أشياء من فضله، فرجعَ عن قتاله، واعتزلَ في بعض الصُّفوف / فجاءه سهم غرب، ثمَّ قال: والمشهور أنَّ مروان بن الحكم هو الذي رماه بسهم فقتله، وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم؛ لأن طلحةَ فيما زعموا كان ممَّن حاصرَ عثمان حتَّى قتل ثم ندم، وقال:
نَدمْتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ                      لمَّا شَريْتُ رِضَى بَنِي حَزمٍ بزَعْمِي
          وكان يقول: اللَّهمَّ خذْ منِّي لعثمان حتى ترضَى، وذكر أن عليًّا ☺ لما وقف على مصرع طلحة، بكى حتَّى اخضلَّت لحيتُه بدموعه ثم قال: إنِّي لأرجو أن أكونَ أنا وأنت ممَّن قال الله فيه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47].
          وفي العيني: قال أبو الشَّاء: ومن خواص طلحة بن عبيد الله: أن رسولَ الله صلعم كان إذا لم يره قال: ((مالِي لا أرى المليحَ الفصيحَ)) انتهى.
          فقال النَّووي في ((التَّهذيب)): قبرهُ بالبصرة مشهورٌ يزارُ ويتبرَّك به، ثم قال: وذكر ابنُ قُتيبة في ((المعارف)): أنَّ طلحةَ دُفن بقنطرة قرَّة، فرأته بنتُه عائشة بعد دفنهِ بثلاثين سنة، فشكا إليها النزَّ، فأمرتْ به، فاستخرجَ طرياً فدفنَ في داره في البصرة لم تتغيَّر إلا عقيصتُه، فإنها مالتْ عن موضعها، واخضرَّ شقُّه الذي يلِي الأرضَ من نزِّ الماء، فاشتروا له داراً من دور أبي بكرة بعشرة آلاف درهم، قال: وذكر غيره أنهم حين حوَّلوه.
          قال الرَّاوي: كأني أنظرُ إلى الكافور، قال: ولطلحة عشر بنين وثلاث بنات.
          (وَقَالَ عُمَرُ): أي: ابن الخطَّاب ☺ في طلحة؛ أي: ابن عبيد الله؛ أي: في شأنه (تُوُفِّي): بتشديد الفاء مبني للمفعول (النَّبِيُّ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ): والجملة حالية، وتقدَّم وصل هذا التَّعليق في مناقب عثمان.