الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مناقب علي بن أبي طالب

          ░9▒ (بَابُ: مَنَاقِبُ): سقط لفظ: <باب> لأبي ذرٍّ (عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبِي الْحَسَنِ) بفتحتين (الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ ☺): اسم أبي طالب: عبد مناف على الصَّحيح، وقيل: اسمه كنيتُه، والصَّحيح أنه لم يسلم وهو عمُّ رسولِ الله أخو عبد الله والد النَّبي صلعم، وكان يذبُّ عن رسول الله وينصره قال من قصيدة:
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ                     حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينًا
          وأبو الحسن كنية عليٍّ كنَّاه بها أهله بأكبر أولادِهِ، وكنَّاه النَّبي صلعم بأبي ترابٍ لما رآه نائماً في المسجد ورداؤه ساقط عن ظهرهِ، وقد خلصَ إليه التراب، وكانت أحبَّ الكنى إليه.
          وسيأتي في هذا الباب وزادَ فيه على ما تقدَّم في الثلاثة قبله الهاشمي نسبة إلى جدِّه الأعلى، فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف يلتقِي مع النَّبي صلعم في عبدِ المطلب ولد علي قبل البعثة بعشر سنين على الراجحِ، وكان قد ربَّاه النَّبي صلعم لموت أبيهِ وهو صغيرٌ، ولم يفارقْه إلى أن ماتَ عليه السَّلام وأسلمَ مع السَّابقين قبل البلوغِ، كما قال:
سَبَقْتُكُمُوا إِلَى الإِسْلَامِ طُرًّا                     صَغِيراً مَا بَلَغتُ أَوَانَ حُلْمِ
          بل قيل: إنه أول من أسلم، وكانت الأحكام حينئذٍ منوطة بالتمييز، وكان عمره ثمان سنين، وقال ابن إسحاق: عشر سنين.
          وأمُّه: فاطمةُ بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، تجتمعُ مع النَّبي رسول الله صلعم في هاشم وهي ابنةُ عمِّ أبيه، وهي أولُ هاشميَّة ولدت هاشمياً، وقد أسلمَتْ وصحبَتْ رسولَ الله، وماتت في حياته عليه السَّلام وصلَّى عليها ونزَلَ في قبرِهَا فهنيئاً لها ورضيَ عنها.
          (وَقَالَ النَّبي صلعم): أي: لعلي مما وصله المصنِّف في الصُّلح، وفي عمرة القضاء مطولاً (أَنْتَ مِنِّي): مبتدأ وخبر والجملة مقول قال، وجملة: (وَأَنَا مِنْكَ): معطوفة على سابقتها، قال الكرمانيُّ: أي: أنت من نسبي ومن هذه تسمَّى: الاتصالية، / انتهى.
          قال العينيُّ: وليس المراد اتِّصاله من جهة النُّبوة بل من جهةِ العلم والقرب والنَّسب وكان أبو النَّبي صلعم شقيق والد علي ☻، وكذا الكلام في قوله: ((وأنا منك))، قال: وفي حديث آخر: ((أنت مني بمنزلةِ هارونَ من موسَى))، وفي لفظ: ((أما ترضَى أن تكون منِّي بمنزلةِ هارون من موسَى إلَّا أنه لا نبيَّ بعدي)).
          (وَقَالَ عُمَرُ): أي: ابن الخطَّاب، في علي مما وصله قريباً في الباب السابق.
          (تُوُفِي رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ): وقد أورد البخاري في حقِّه سبعة أحاديث موصولة مع أنه وردَ فيه أحاديث كثيرة، ففي ((الفتح)): قال أحمد وإسماعيل القاضي والنَّسائي وأبو علي النيسابوري: لم يردْ في حقِّ أحدٍ من الصَّحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء عن عليٍّ ☺، وكان السَّبب في ذلك أنه تأخَّر موته، ووقعَ الاختلاف في زمانه وخرجَ من خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشارِ مناقبه وذكرها من الصَّحابة ردًّا على من خالفَه، وطعنَ فيه من الخوارجِ وغيرهم وذلك لأنَّه لما بويعَ له في المدينة بالخلافةِ عقب قتل عثمان في أواخر ذي الحجَّة سنة خمسة وثلاثين فبايعَه المهاجرون والأنصار، وكلُّ من حضرَ، وكتب بيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم إلا معاوية في أهلِ الشَّام فبايعوا له، وكان بينه وبينهم ما كان وخرجتْ عليه الخوارج والمبتدعة لكن المبتدعة كانت قليلة فحاربُوه بعدما انضمَّ إليهم، واشتدَّ الخطبُ فتنقَّصوه واتخذوا لعنَه على المنابر سنَّة، ووافقَهم الخوارج على بغضهِ، وزادوا حتى كفَّروه مضموماً ذلك منهم إلى عثمان فصارَ الناس في حقِّ علي ثلاثة: أهل السنة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، فاحتاجَ أهل السُّنة إلى بثِّ فضائلهِ فكثرَ الناقل لذلك لكثرةِ من يخالفُ ذلك، وإلا فالذي في نفسِ الأمرِ أنَّ لكلٍّ من الأربعة من الفضَائل إذا حرر بميزان العدلِ لا يخرجُ عن قولِ أهلِ السُّنة والجماعةِ أصلاً، انتهى ملخصاً.