نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يا أبا ذر ما أحب أن أحدًا لي ذهبًا

          6268- (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياث، قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران، قال: (حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ) الجهني أبو سليمان الكوفي الهَمْداني من قضاعة، خرج إلى النَّبي صلعم فقبض النَّبي صلعم وهو في الطَّريق، ففاتته رؤيته صلعم مات سنة ست وتسعين، قال: (حَدَّثَنَا وَاللَّهِ أبو ذرٍّ) جُندب الغفاري، ذكر القسم تأكيداً ومبالغة دفعاً لما قيل له: إنَّ الرَّاوي أبو الدَّرداء لا أبو ذرٍّ، كما يُشعِر به آخر الحديث.
          (بِالرَّبَذَةِ) بفتح الراء والموحدة والمعجمة، / موضعٌ على ثلاث مراحل من المدينة، قريبةٌ من ذات عرق (قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً) الحَرَّة _بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء_: وهي الأرض ذات الحجارة السُّود وهي أرضٌ بظاهر المدينة فيها حجارةٌ سود كثيرة (اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ) بفتح اللام فعل ومفعول، و((أُحدٌ)) بالرفع على الفاعلية، جبل بالمدينة، وفي رواية الأَصيلي: <استقبلْنا> بسكون اللام، مسند إلى ضمير المتكلمين و<أحداً> نصب على المفعولية.
          (فَقَالَ) صلعم : (يَا بَا ذَرٍّ) أصله يا أبا ذرٍّ حذفت الهمزة للتخفيف (مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُداً) أي: الجبل المذكور (لِي ذَهَباً) نصب على التَّمييز (يَأْتِي عَلَيَّ) بتشديد التَّحتية (لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ) شكٌّ من الرَّاوي (عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلاَّ أَرْصُدُهُ) بفتح الهمزة وضم الصاد، وفي رواية أبي ذرٍّ: بضم الهمزة وكسر الصاد، ديناراً بالنَّصب على أنَّه من الرباعي، والاستثناء مفرَّغ، وكذا للأَصيلي؛ أي: لا أعدُّه ويروى: <لا أرصده>.
          (لِدَيْنٍ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ) أي: أصرفه (فِي عِبَادِ اللَّهِ) وأنفقه عليهم والاستثناء مفرَّغٌ (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) ثلاث مرات؛ أي: يميناً وشمالاً وقداماً (وَأَرَانَا) أي: أبو ذرٍّ (بِيَدِهِ) ذلك (ثُمَّ قَالَ) صلعم : (يَا أَبَا ذَرٍّ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الأَكْثَرُونَ) أي: من جهة المال (هُمُ الأَقَلُّونَ) ثواباً (إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا) أي: صرف المال في عباد الله (ثُمَّ قَالَ لِي: مَكَانَكَ) بالنَّصب؛ أي: الزم مكانك (لاَ تَبْرَحْ) منه (يَا أَبَا ذَرٍّ، حَتَّى أَرْجِعَ) إليك (فَانْطَلَقَ) صلعم (حَتَّى غَابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتاً فَخَشِيتُ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحمويي: <فتخوَّفت>.
          (أَنْ يَكُونَ عُرِضَ) على البناء للمفعول مصحَّحاً عليه في الفرع كأصله (لِرَسُولِ اللَّهِ صلعم ) أي: ظهر عليه أحدٌ أو أصابه آفَّةٌ (فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلعم : لاَ تَبْرَحْ فَمَكُثْتُ) فلمَّا جاء صلعم (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ صَوْتاً خَشِيتُ) بالمعجمتين؛ أي: خفت، وفي رواية أبي ذرٍّ: <حسبت> / بالحاء والسين المهملتين والموحدة (أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لَكَ) بضم العين (ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ) أي: ((لا تبرح)).
          (فَقُمْتُ) أي: فوقفت أو فأقمت موضعي (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : ذَاكَ) أي: الَّذي سمعت (جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ) قال أبو ذرٍّ: (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) يدخل الجنَّة.
          (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ) صلعم : يدخلها (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) قال الأعمش بالإسناد السَّابق: (قُلْتُ لِزَيْدٍ) أي: ابن وهب المذكور (إِنَّهُ بَلَغَنِي) أي: راوي الحديث (أَنَّهُ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ) أي: زيد (أَشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ) أي: الحديث المذكور (أبو ذرٍّ) جندب (بِالرَّبَذَةِ) وأدخل اللام في ((لحدثنيه))؛ لأنَّ الشَّهادة في حكم القسم.
          (قَالَ الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران، بالسَّند المذكور (وَحَدَّثَنِي) بالواو والإفراد (أَبُو صَالِحٍ) هو ذكوان السَّمَّان (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) عويمر ☺ (نَحْوَهُ) أي: نحو الحديث المذكور.
          (وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ) هو: عبدُ ربه الحَنَّاط _بالمهملة والنون المشددة_ المدائني (عَنِ الأَعْمَشِ) أي: عن زيد بن وهبٍ، عن أبي ذرٍّ ☺ (يَمْكُثُ عِنْدِي فَوْقَ ثَلاَثٍ) بدل قوله: ((تأتي عليَّ ليلةٌ أو ثلاث عندي منه دينار)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة.
          وقد مضى الحديث في ((كتاب الاستقراض))، في باب ((أداء الديون)) [خ¦2388].