نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه

          ░43▒ (بابُ مَنْ نَاجَى) أي: خاطب غيره وتحدَّث معه سرًّا (بَيْنَ يَدَيِ النَّاس، وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ) أحداً (بِسِرِّ صَاحِبِهِ) في حياة صاحبه (فَإِذَا مَاتَ) صاحبه (أَخْبَرَ بِهِ) الغير. والحاصل: أنَّ هذه التَّرجمة مشتملةٌ على شيئين لم يُوضِّح الحكم فيهما اكتفاء بما في الحديث [خ¦6285] أمَّا الأوَّل؛ فحكمه جواز مسارة الواحد بحضرة الجماعة، وليس ذلك من نهيه عن مناجاة الاثنين دون الواحد؛ لأنَّ المعنى الَّذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة، وذلك أنَّ الواحد إذا تسارُّوا دونه وقع في نفسه أنَّهما يتكلَّمان فيه بالسُّوء، ولا يتَّفق ذلك في الجماعة.
          وأمَّا الثَّاني: فحكمه أنَّه لا ينبغي إفشاء السِّرِّ إذا كانت فيه مضرَّةٌ على المسر؛ لأنَّ فاطمة ♦ لو أخبرت بما أسرَّ إليها النَّبي صلعم لحزنت نساؤه بذلك حزناً شديداً، وكذا لو أخبرتهنَّ بأنَّها سيِّدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهنَّ، واشتدَّ حزنهنَّ، ولمَّا أمنت فاطمة ♦ بعد موتهنَّ أخبرت بذلك، كذا قال ابن بطَّال.
          وتعقَّبه الحافظ العسقلاني فقال: أمَّا الشَّقُّ الأول فحقُّ العبارة أن يقول: فيه جواز إفشاء السِّرِّ إذا زال ما يترتَّب على إفشائه من المضرَّة؛ لأنَّ الأصل في السِّرِّ الكتمان وإلَّا فما فائدته. وأمَّا الشَّق الثَّاني: فالعلَّة التي ذكرها مردودةٌ؛ لأنَّ فاطمة ♦ ماتت / قبلهنَّ كلهنَّ، وما أدري كيف خفي عليه هذا؟
          ثمَّ جَوَّزتُ أن يكون في النَّسخة سقم، وأنَّ الصَّواب: فلمَّا أمنت. من ذلك بعد موته وهو أيضاً مردودٌ؛ لأنَّ الحزن الَّذي علَّل به لم يُزَل بموت النَّبي صلعم ، بل لو كان كما زعم لاستمرَّ حزنهنَّ على ما فاتهنَّ من ذلك. انتهى.