نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من رد فقال عليك السلام

          ░18▒ (بابٌ مَنْ رَدَّ) على المسلم (فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ) بغير واو العطف والإفراد وتأخير السَّلام عن قوله: ((عليك)). قال الحافظُ العسقلاني: يحتمل أن يكون أشار إلى من قال: لا يُقدِّم على لفظ السَّلام شيءٌ، بل يقول في الابتداء والرَّدُّ: السَّلام عليك، أو من قال: لا يقتصرُ على الإفراد، بل يأتي بصيغة الجمع، أو من قال: لا يَحْذِف الواوَ، بل يجيب بواو العطف فيقول: وعليك، أو من قال: يكفي في الجواب أن يقتصرَ على ((عليك)) بغير لفظ ((السَّلام))، أو من قال: لا يقتصر على: عليك السَّلام، بل يزيد: ورحمة الله، وهذه خمسة مواضع جاءت فيه آثارٌ تدلُّ عليها. انتهى.
          وتفصيله: أنَّ غرض البُخاري أنَّ ردَّ السَّلام ثبت بتقديم السَّلام على عليك، فيقال في الابتداء والرَّدِّ: السَّلام عليك؛ لأنَّ السَّلام اسم الله؛ فينبغي أن لا يقدم عليه شيءٌ نبَّه عليه ابن دقيق العيد.
          وعن بعض الشَّافعيَّة: أنَّ المبتدئ لو قال: عليك السَّلام لم يجزئ، وقد جاء في القرآن تقديم السَّلام على المسلم عليه / قال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات:79]، {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات:120]، وقال في قصَّة إبراهيم: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73].
          وفي «التَّوضيح»: وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((السَّلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم))، فإن صحَّ فالاختيار في التَّسليم والأدب فيه تقديم اسم الله تعالى على اسم المخلوق، وقيل: إنَّه لا يقتصر على الإفراد بل يأتي بصيغة الجمع؛ ففي «الأدب المفرد» من طريق معاوية بن قرَّة: قال لي أبي: إذا مرَّ بك الرَّجل فقال: السَّلام عليكم، فلا تقل: وعليك السَّلام فتخصَّه وحده. وسندهُ صحيحٌ.
          ولو وقع الابتداء بالجمع فلا يكفي الرَّدُّ إلَّا بالجمع؛ لأنَّ صيغة الجمع تقتضي التَّعميم فلا يكون امتثلَ الرَّدِّ بالمِثْل فضلاً عن الأحسن، كما نبَّه عليه الشَّيخ تقيُّ الدِّين. وقيل: لا يحذف الواو في الرَّدِّ بل يجب بواو العطف، فيقول: ((وعليك))، وقيل: يكفي في الجواب أن يقتصرَ على ((عليك)) بغير لفظ ((السَّلام)).
          قال النَّووي: الأفضل أن يقول: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحداً، ويقول المجيب: وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: ((وعليكم))، وأقل السَّلام أن يقول: السَّلام، وإن قال: السَّلام عليك، أو سلام عليك، حصل أيضاً.
          وأمَّا الجواب فأقله: وعليك السَّلام، أو عليكم السَّلام، فإن حذف الواو أجزأه. واتَّفقوا على أنَّه لو قال في الجواب: ((عليكم)) لم يكن جواباً فلو قال: وعليكم، بالواو فهل يكون جواباً؟ فيه وجهان. وقال الواحدي في تعريف السَّلام وتنكيرهِ بالخيار.
          قال النَّووي: بالألف واللام أولى، ولو تلاقى رجلان وسلَّم كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه دفعةً واحدة أو أحدهما بعد الآخر. فقال القاضي حسين وأبو سعيد المتولِّي: يصير كلُّ واحدٍ منهما مبتدئاً بالسَّلام، فيجب على كلِّ واحدٍ أن يردَّ على صاحبه.
          وقال الشَّاشي: فيه نظرٌ، فإنَّ هذا اللَّفظ يصلحُ للجواب، فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً، وإن كانا دفعةً واحدةً لم يكن جواباً. قال: وهو الصَّواب.
          وإذا قال المبتدئ: وعليكم السَّلام؟ قال المتولِّي: لا يكون ذلك سلاماً فلا يستحقُّ جواباً، ولو قال بغير واو فقطع الواحدي / بأنَّه سلامٌ يتحتَّم على المخاطب به الجواب، وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد وهو الظَّاهر، وقد جزم به إمام الحرمين. انتهى.
          فإن قيل: ما الفرق بين قوله: سلام عليكم، والسَّلام عليكم؟
          فالجواب: أنَّه لا بدَّ للمعرَّف باللام من معهودٍ إمَّا خارجيٌّ أو ذهني، فإن قيل بالأول كان المراد الذي سلَّمه آدم ◙ على الملائكة، في قوله صلعم : ((قال لآدم: اذهب فسلِّم على أولئك النَّفر، فإنَّها تحيتك وتحيَّة ذرِّيتك)).
          وإن قيل بالثَّاني كان جنس السَّلام الَّذي يعرفه كلُّ أحدٍ من المسلمين فيكون تعريضاً للفرق بين توارد السَّلامين معاً، وبين ترتُّب أحدهما على الآخر، وذلك أنَّهما إذا تواردا كان الإشارة منهما إلى أحد المعنيين المذكورين، فلا يحصل الرَّدُّ وإذا تأخَّر كان المشار إليه ما يلفظ به المبتدئ، فيصحُّ الرَّدُّ فكأنَّه قال: السَّلام الَّذي وجهتَه فقد رددتُه عليك. وقد ذهب إلى مثل هذا الفرق في التَّعريف والتَّنكير: الزَّمخشري في سورة مريم في قول عيسى ◙: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ} [مريم:33].
          وقد جرت عادة بعضهم بالسَّلام عند المفارقة، فهل يجب الرَّدُّ أم لا؟ قال القاضي حسين والمتولِّي: يستحبُّ؛ لأنَّه دعاءٌ ولا يجب؛ لأنَّ التَّحيَّة إنَّما تكون عند اللِّقاء، لا عند الانصراف، وأنكره الشَّاشي، وقال: السَّلام سنَّةٌ عند الانصراف كما هو سنَّةٌ عند اللِّقاء، فكما يجب الرَّدُّ عند اللِّقاء، فكذلك عند الانصراف، وهذا هو الصَّحيح.
          فائدة: يكره السَّلام إذا كان المسلم عليه مشتغلاً بالبول والجماع ونحوهما، ولو سلم لا يستحقُّ الجواب، وكذا إن كان ناعساً أو نائماً أو مصلِّياً، أو في حال الأذان والإقامة، أو في حمام ونحو ذلك، أو في فمه لقمةٌ يأكلها، ولا يسلِّم على أجنبيَّةٍ جميلة يخاف الافتتان بها، ولو سلَّم عليها لم يجز لها ردُّ الجواب، ولا تسلم هي عليه، فإن سلَّمت لا يردُّ عليها، فإن أجابها كره له، كذا في «أذكار النووي» وقد تقدَّم الإشارة إلى بعضها [خ¦6235].
          (وَقَالَتْ عَائِشَةُ) ♦: (وَ◙ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) بالواو، وذلك لما قال لها النَّبي صلعم : ((يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السَّلام)) وقد سبق موصولاً في الباب السَّابق [خ¦6249] (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : / رَدَّ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى آدَمَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) هذا طرفٌ من الحديث الَّذي تقدم في أول ((كتاب الاستئذان)) في باب ((تسليم الرجال على النساء)) [خ¦6227].