نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا

          3932- (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ) هو: ابنُ سعيد.
          (ح) تحويل من سند إلى آخر / (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ) قال: (سَمِعْتُ أَبِي) هو: عبد الوارث المذكور في الإسناد الأول (يُحَدِّثُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية (يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ) قال: (حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ) ويروى: <رسول الله> ( صلعم الْمَدِينَةَ، نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ) بضم العين وسكون اللام كل ما كان في جهة نجد يسمى العالية، وما في جهة تهامة يسمَّى: السافلة، وقباء من عَوالي المدينة، وأُخِذ من نزول النَّبي صلعم التَّفاؤلُ له، ولدينه بالعلو.
          (فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) أي: ابن مالك بن الأوس بن حارثة (قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلأَ بَنِي النَّجَّارِ) بفتح النون وتشديد الجيم؛ أي: جماعتهم وأشرافهم (قَالَ: فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِين سُيُوفِهِمْ) ويروى: <متقلدي سيوفهم> بالإضافة (قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ) تقدَّم ما فيه في الباب الذي قبله في الحديث الثامن عشر [خ¦3911] (وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى) أي: نزل، أو المراد: ألقى رحله (بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ) الفِنَاء: بكسر الفاء وبالمدِّ، ما امتدَّ من جوانب الدَّار، واسم أبي أيوب: خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، من بني مالك بن النَّجار ☺.
          (قَالَ: وكَانَ يُصَلِّي حَيْنَ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ) ويروى: <حيث أدركتْه الصَّلاة> (وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ) المرابض للغنم كالمعاطن للإبل، وربض الغنم _بالمعجمة_: مأواها (قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ) أي: <ببناء المسجد>، كما في رواية (فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤُوا فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بحَائِطَكُمْ هَذَا) أي: عيِّنوا لي ثمنه وقرِّروه، أو ساومُوني بثمنهِ. يقال: ثامنْتُ الرَّجل في كذا، إذا ساومته، والحائطُ: البستان، وقد تقدَّم في الباب الذي قبله أنَّه كان مربداً [خ¦3906]، فلعلَّه كان أولاً حائطاً، ثمَّ خرب فصار مربداً. ويؤيِّده قوله: إنَّه كان فيه نخل وخرب، وقيل: كان بعضه بستاناً وبعضه مربداً. /
          وقد تقدَّم في الباب الذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور [خ¦3906]. ووقع عند موسى بن عقبة عن الزُّهري: أنَّه اشتراه منهما بعشرةِ دنانير، وزاد الواقديُّ: أنَّ أبا بكر ☺ دفعه لهما عنه.
          (فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. قَالَ) أي: أنس ☺ (فَكَانَ فِيهِ) أي: في الحائط (مَا أَقُولُ لَكُمْ) فسَّره بقوله: (كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، ويروى: <خَرِب> بفتح الخاء وكسر الراء. وقال الخطابي: أكثر الروايات: الفتح ثم الكسر، قال: ويحتمل: الخُرْب، بالضم ثم السكون، قال: وهي الخروق المستديرة في الأرض. ويحتمل: جِرَف _بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء_: وهو ما تجرفه السُّيول وتأكله من الأرض. ويحتمل: حَدَب، بالمهملة وبالدال المهملة أيضاً، وهو المرتفعُ من الأرض. قال: وهذا أليقُ بقوله: فسُوِّيت؛ لأنَّه إنما يُسوَّى المكان المحدودبِ، وكذا الذي جرفته السُّيول من الأرض، وأمَّا الخراب فيبنى ويعمر دون أن يُصلح ويسوَّى.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقي منه وتسوَّى أرضه، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرِّواية الصَّحيحة.
          (وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ) قال ابن بطَّال: لم أجد في نبشِ قُبور المشركين لتتخذ مسجداً نصاً عن أحد من العلماء. نعم اختلفوا هل تنبش لطلب المال؟ فأجازه الجمهور، ومنعه الأوزاعيُّ، وهذا الحديث حجَّة للجواز؛ لأنَّ المشرك لا حرمة له لا حيًّا ولا ميتاً، وقد تقدَّم في «أبواب المساجد» البحث فيما يتعلَّق بها [خ¦428].
          (وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ) هو محمولٌ على أنَّه لم يكن يثمر، ويحتمل أن يثمر، لكن دعت الحاجة إلى ذلك (قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ) أي: فوضعوا النَّخل (قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ) بكسر المهملة وتخفيف المعجمة، تثنية عضادة، وهي الخشبةُ التي حول الباب، ولكلِّ باب عضادتان، وعضادُ كلِّ شيءٍ: ما يشدُّ جانبه.
          (حِجَارَةً، قَالَ: وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ / يَرْتَجِزُونَ) أي: يقولون الرَّجز (وَرَسُولُ اللَّهِ صلعم مَعَهُمْ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ) كذا وقع أيضاً في رواية أبي داود.
          والحديث قد مرَّ في «كتاب الصلاة»، في باب «هل تنبش قبور المشركين من أبواب المساجد» [خ¦428]، وتقدَّم الكلام فيه هناك.
          ومطابقته للترجمة ظاهرةٌ.