نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى أهله وهو بمنى

          3928- (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ) الجعفي الكوفي سكن مصر، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ وَهْبٍ) هو: عبدُ الله بن وهب المصري، قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (قَالَ) أي: ابن وهب (وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ) وكذلك قال في «المظالم»، في باب «ما جاء في السقائف» [خ¦2462] حيث قال: حدَّثني يحيى بن سليمان، قال: حدَّثني ابنُ وهب، قال: حدَّثني مالك، وأخبرني يونسُ، عن ابن شهاب...إلى آخره مختصراً.
          وحاصله أنَّ عبدَ الله بن وهب روى هذا الحديث عن مالك. وروى عن يونس بن يزيد أيضاً، فله شيخان فيه.
          (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن عتبة بن مسعود (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ☺ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَهْوَ بِمِنًى) أي: والحال أن أهله بمنى، وأراد به منزله.
          ويوضحه ما في حديث «المحاربين» [خ¦6830] عن ابن عبَّاس ☻ قال: كنت أقري رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرَّحمن بن عوف، فبينا أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب ☺ في آخر حجَّة حجَّها، إذ رجع إليَّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعتُ فلاناً فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، فتمت، فغضب عمر، ثمَّ قال: إني إن شاء الله لقائم العشيَّة في الناس فمحذِّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهُم أمورهم، فقال عبدُ الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رَعَاع الناس وغوغاءهم... إلى أن قال: فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكناً، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر ╩: أما والله إن شاء الله لأقومنَّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة... الحديث بطوله.
          وإن لم يقف الناظر / لم يتمكَّن من فهم حديث الباب؛ لأنَّه مختصر جداً، فلذلك ذكر منه هاهنا قدر الاحتياج.
          وسيأتي تمام الكلام فيه إن شاء الله تعالى في «كتاب المحاربين» [خ¦6830].
          (فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ ☺ فَوَجَدَنِي، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمَوْسِمَ) أي: موسم الحج، وهو مجتمع الناس، وسمِّي به لأنَّه مَعْلَم لجمع الناس (يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ) بفتح الراء وتخفيف العين المهملة الأولى؛ أي: أسقاط الناس وسفلتهم. وفي رواية «المحاربين»: «وغوغاءهم» وأصل الغوغاء: الجرادُ حين يخفَّ للطَّيران، ثمَّ استعير للسَّفلة من النَّاس، والمتسرِّعين إلى الشَّرِّ، ويجوز أن يكون من الغَوْغاء بمعنى: الصَّوت والجلبة؛ لكثرة لغطِهِم وصياحهم.
          (وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ) ووقع في رواية الكُشميهني: <والسلامة> بدل: «السنة» (وَتَخْلُصَ) أي: تصل (لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ. قَالَ عُمَرُ) ويروى: <وقال عمر> بالواو (لأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ) أراد به أوَّل قيامه بالمدينة بالكلام والحكم.
          ومطابقته للترجمة في قوله: «حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة».
          وقد أخرجه البخاري في «المحاربين» مطولاً [خ¦6830]، وفي «المغازي» [خ¦4021]، و«الاعتصام» [خ¦7323]، وأخرجه بقية الجماعة أيضاً.