نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع

          3289- (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ) أي: ابن عاصم بن صهيب، أبو الحسين، مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق ☺، من أهل واسط، روى البخاريُّ عنه في مواضع [خ¦366] [خ¦480] [خ¦2415]، وروى عن محمد ابن عبد الله عنه في الحدود [خ¦6785]، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين، وقال ابنُ سعد: مات بواسط، وهو من أفراد البخاري.
          قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ) كيسان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: التَّثَاؤُبُ) مصدر من تثاءب يتثاءب، والاسم: الثَّوَباء (مِنَ الشَّيْطَانِ) كراهةً له؛ لأنَّه إنَّما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وميله إلى الكسلِ والنَّوم، وأضافه إلى الشَّيطان؛ لأنَّه الذي يدعو إلى إعطاء النَّفس شهواتها، وأراد به التَّحذير من السَّبب الذي يتولَّد منه، وهو التوسُّع في المَطْعَم والشِّبع، فيثقل عن الطَّاعات، ويكسل عن الخيرات.
          (فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ) تثاءب: فعلٌ ماضٍ من باب تفاعل، وأصله: ثَاب، ومادَّتُه: ثاء مثلثة وهمزة وموحدة، وتثاءب بالمدِّ والتَّخفيف، ويروى: <تثاوب> بالواو، وقيل: لا يقال: تثاءب مخفَّفاً، بل تثأَّب، بالتشديد في الهمزة، وقال الجوهريُّ: لا يقال: تثاوب، بالواو.
          وأمَّا حدُّ التثاؤب: فهو التَّنفُّس الَّذي ينفتح منه الفم؛ لدفع البخارات المختفية في عضلات الفك، وهو إنَّما ينشأُ من امتلاء المعدة، وثقل البدن، ويورث الكسل، وسوء الفهم والغفلة.
          (فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ) أي: ليكظم وليضع يده على الفم؛ لئلَّا يبلغ الشَّيطان مرادَه من تشويه صورته ودخوله فمه وضحكه منه.
          (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا) كلمة ها حكاية صوتِ المتثائب، يعني: إذا بالغ في التَّثاؤب وصدر منه لفظة: ها (ضَحِكَ الشَّيْطَانُ) فرحاً بذلك، ولذلك قالوا: لم يتثاءب نبيٌّ قط. وقال الداوديُّ: إن فتح فاه، ولم يضمَّه بصقَ فيه، وإذا قال: ها ضحك منه.
          وسيأتي في الأدب [خ¦6223] من حديث أبي هريرة ☺ عن النَّبي ╧: ((إنَّ الله يُحِبُّ العُطاسَ ويَكْرهُ التَّثاؤب)) والغرض من ذكر الحديث هنا ظاهر.