نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إني لأعلم كلمةً لو قالها ذهب عنه ما يجد

          3282- (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) تكرَّر ذكره [خ¦6] [خ¦161] [خ¦205] (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، واسمه: محمد بن ميمون السكريِّ المروزيِّ (عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وآخره دال مهملة، الخزاعيِّ، وقد مرَّ في الغسل [خ¦254] (قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ صلعم وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ) أي: يتشاتمان (فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ) جمع: وَدَج، بفتحتين، وهو عرق في الحلق في المذبح، وانتفاخ الأوداج: كنايةٌ عن شدَّة الغضب. فإن قيل: لكلِّ واحدٍ ودَجَان، فما معنى الأوداج لذلك الرَّجل الواحد؟
          فالجواب: أنَّ كلَّ قطعةٍ من الوَدَج تُسَمَّى وَدَجاً، كما جاء في الحديث: ((أزجُّ الحواجب))، أو هو من قبيل قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:78].
          (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَها ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ) من وَجَدَ يَجِدُ وَجْداً ومَوْجدة: إذا غضب، ووَجَدَ يجِدُ وُجْدَاناً: إذا لقي ما يطلبه. /
          (لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ) قال النَّوويُّ: هذا كلامُ مَنْ لَمْ يفقه في دين الله ولم يتهذَّب بأنوار الشَّريعة المكرمة، وتوهَّم أنَّ الاستعاذة مختصَّةٌ بالمجانين، ولم يعلم أنَّ الغضب من نزغات الشَّيطان، ويحتمل أنَّه كان من المنافقين، أو من جفاة الأعراب. انتهى.
          والاستعاذةُ من الشَّيطان تُذهبُ الغضب، وهو أقوى السِّلاح على دفعِ كيده. وفي حديث عطيَّة: ((الغضبُ من الشَّيطان، وإنَّ الشَّيطان خُلِقَ من النَّار، وإنَّما تطفأ النَّار بالماء، فإذا غضبَ أحدُكم فليتوضَّأ)). وعن أبي الدَّرداء ☺: ((أقربُ ما يكون العبدُ من غضبِ الله إذا غضبَ))، وقال بكر بن عبد الله: ((أطفئوا نار الغضَبِ بذكر نارِ جهنَّم)).
          وفي بعض الكتب: قال الله تعالى: ابنَ آدم، اذكرني إذا غضبتَ أذكُرك إذا غضبتُ.
          وروى ابن الجوزي في «ترغيبه» عن معاوية بن قرَّة قال: قال إبليسُ: أنا جمرةٌ في جوفِ ابن آدم إذا غضبَ حميته، وإذا رضيَ منيته.
          ومطابقةُ الحديث للترجمة ظاهرة، وقد أخرجهُ البخاريُّ في الأدب أيضاً [خ¦6048]، وكذا مسلم، وأبو داود، وأخرجهُ النسائيُّ في ((اليوم والليلة)).