نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ذكر الملائكة

          ░6▒ (باب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ) هو: جمع ملأك على الأصل، فإنَّ الأصل في مَفْعَل أن يُجْمَع على مفاعل نحو: مطالع نظيرها الشَّمائل، فإنَّه جمع شَمْأَل بالهمزة، والتاء لتأنيث الجمع، وفي المفصل لتأكيد معنى الجمع وكأنَّ المراد ما قيل: إنَّه للمبالغة كعلَّامة، وهو مقلوب مالك، ثمَّ بعد القلب المكاني صار ملاك فنقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت تخفيفاً لكثرة الاستعمال، فلمَّا جمع ردَّت الهمزة المحذوفة؛ لأنَّ التَّكسير يرد الأشياء إلى أصولها.
          واشتقاقه من الألوكة وهي الرِّسالة؛ لأنَّهم وسائط بين الله وبين النَّاس فهم رسل الله في إفاضة ما يحتاجون إليهم في معاشهم ومعادهم كحفظهم بالليل والنَّهار، ورفع أعمالهم اليومية واللَّيلية وغيرهما، أو كالرُّسل إليهم لتوسُّط الأنبياء بينهم وبين النَّاس، وهذا قول سيبويه والجمهور، وجمع على القلب وإلَّا لقيل مآلكة.
          وذهب بعضهم إلى أنَّ الميم في ملاك أصلية والهمزة زائدة، فهو على هذا مشتقٌّ من الملك بضم اللام وفتحها، وتسميتهم بالملائكة لفرط قوَّتهم قالوا: إنَّ جميع متصرفات م ل ك دائر مع معنى القوَّة والشِّدة كالملك والملِك، وهذا قول أبي عبيدة. وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة، ويؤيِّده أنَّهم جوَّزوا في جمعه أملاك، وأفعال لا يكون جمعاً لما في أوله ميم زائدة.
          واختلف العقلاء في حقيقتهم بعد اتِّفاقهم على أنَّها ذوات موجودة قائمة بأنفسها، فذهب أكثر المسلمين إلى أنَّها أجسامٌ لطيفة هوائية لا جسميَّة، قادرةٌ على التَّشكل بأشكالٍ مختلفة، مستدلِّين بأنَّ الرُّسل ‰ كانوا يرونهم كذلك.
          وقالت طائفةٌ من النَّصارى: هي: النُّفوس الفاضلة الصَّافية البشرية المفارقة للأبدان، فإنَّهم زعموا أنَّ النُّفوس المفارقة للأبدان إن كانت خيِّرة صافيةً فهي الملائكة، وإن كانت خبيثةً كدرة فهي الشَّياطين.
          وقالت الفلاسفة: إنَّها جواهر مجردة، مخالفة للنُّفوس النَّاطقة / في الحقيقة، ويقال: جوهر بسيط ذو نطق وعقل تَقَدَّس عن ظلمة الشَّهوة وكدورة الغضب، وهم منقسمة إلى قسمين:
          قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحقِّ والتَّبرئ عن الاشتغال بغيره، كما وصفهم في محكم تنزيله فقال: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]، وهم: العليُّون والملائكة المقرَّبون(1) .
          وقسم يدبِّر الأمر من السَّماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به العلم الإلهي {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وهم المدبِّرات أمراً، فمنهم سماويَّة، ومنهم أرضية، طعامهم التَّسبيح، وشرابهم التَّقديس، وأنسهم بذكر الله تعالى، خُلِقوا على صُوَر مختلفة وأقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سماواته.
          وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث: منها: ما أخرجه مسلم عن عائشة ♦ مرفوعاً: ((خلقت الملائكة من نور وخلق الجان، وهو أبو الجن، وقال الضَّحاك: هو: إبليس، من مارجٍ، وهو لهبٌ مع دخان، وقيل: بدونه، من نارٍ وخلق آدم ممَّا وصف لكم)) أي: من التُّراب؛ يعني: أنَّ التُّراب هو الجزء الغالب، وقيل: من العناصر الأربعة، وذلك لأنَّ الله تعالى قال: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:5] وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] والطِّين لا يحصل بلا ماءٍ، وقال: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:26] والحمأ المسنون هو: المتغير المنتن ولا يكون ذلك إلَّا بمخالطة الهواء. وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن:14] والفخَّار: لا يكون بلا نارٍ.
          ومنها: ما أخرجه التِّرمذي وابن ماجه والبزَّار من حديث أبي ذرٍّ ☺ مرفوعاً: ((أطَّت السَّماء وحُقَّ لها أن تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلَّا وعليه ملك ساجد أو راكع)).
          ومنها: ما أخرجه الطَّبراني من حديث جابرٍ مرفوعاً: ((ما في السَّموات السَّبع موضع قدمٍ ولا شبر ولا كفٍّ إلَّا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد)). وللطَّبري نحوه من حديث عائشة ♦.
          وقد روي أيضاً: ((إنَّ بني آدم عُشْر الجِنِّ وهما: عشرُ حيوانات البر، والكلُّ عُشر الطُّيور، / والكل عُشر حيوانات البحار، وهؤلاء كلُّهم عُشر ملائكة الأرض الموكِّلين، وهؤلاء كلُّهم عُشر ملائكة السَّماء الدُّنيا، وكلُّ هؤلاء عُشر ملائكة السَّماء الثَّانية وهكذا إلى السَّماء السَّابعة، ثمَّ كُلُّ أولئك في مقابلة ملائكة الكرسي (2) نزر قليل، ثمَّ جميع هؤلاء عُشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألفٍ، طول كل سرادقٍ وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السَّماوات والأرض وما فيهما وما بينهما لا يكون لها عنده قدرٌ محسوسٌ، وما منه من مقدار شبرٍ إلَّا وفيه ملك ساجد أو راكعٌ أو قائمٌ لهم زَجَل بالتَّسبيح والتَّقديس.
          ثمَّ كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر، ثمَّ ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل ◙ والملائكة الذين هم جنود جبريل ◙ لا يحصى عدد أجناسهم ولا مدَّة أعمارهم ولا كيفيَّات عباداتهم إلَّا بارئهم العليم الخبير على ما قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31])) كذا في تفسير أبي السعود، وفي ذلك ردٌّ على من أنكر وجود الملائكة من الملاحدة.
          (وَقَالَ أَنَسٌ ☺: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ) بتخفيف اللام، الإسرائيلي اليوسفي الخزرجي المدني مات سنة ثلاث وأربعين (إِنَّ جِبْرِيلَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ) وهذا التَّعليق قطعةٌ من حديث وصله البخاريُّ في كتاب الهجرة عن محمَّد بن سلام عن مروان بن معاوية عن حميد عن أنسٍ ☺ وسيأتي إن شاء الله تعالى.
          وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] نزل في عبد الله بن صوريا من أحبار فدك حاج رسول الله صلعم فقال: يا محمَّد! كيف نومك فقد أخبرنا عن نوم النَّبي صلعم الذي يجيء في آخر الزَّمان، فقال صلعم : ((تنام عيناي ولا ينام قلبي))، قال: صدقت يا محمَّد فأخبرني عن الولد أمِن الرَّجل يكون أم من المرأة؟ فقال صلعم : ((أمَّا العظام والعصب والعروق / فمن الرَّجل، وأمَّا اللَّحم والدَّم والظَّفر والشعر فمن المرأة))، قال: صدقت يا محمَّد، قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس من شبه أخواله فيه شيءٌ، أو يشبه أخواله وليس من شبه أعمامه فيه شيءٌ؟ فقال صلعم : ((أيُّهما غلب ماؤه ماء صاحبه كان أشبه له)) قال: صدقت يا محمَّد، وسأله عن الطَّعام الذي حرَّم إسرائيل على نفسه وقد ذكر في التَّوراة: أنَّ النَّبي الأمِّي يخبر عنه فقال صلعم : ((إنَّ يعقوب ◙ مرض مرضاً شديداً فطال سقمه فنذر إن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمنَّ على نفسه أحبَّ الطَّعام والشَّراب إليه، وكان أحبَّ الطَّعام إليه لحم الإبل، وأحبَّ الشَّراب إليه ألبانها فحرَّمهما على نفسه)). قال: صدقت يا محمَّد قال: بقيت خصلة إن قلتَها آمنتُ بك، أيُّ ملكٍ يأتيك بالوحي؟ فقال: ((جبريل)) فقال: ذلك عدونا لو كان غيره لآمنَّا بك عادانا مراراً وأشدها أنَّه أنزل على نبينا أنَّ بيت المقدس سيخرِّبه بخت نصر فبعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاماً مسكيناً، فدفع عنه جبريل، وقال: إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلِّطكم عليه وإلَّا فبم تقتلونه؟!
          وقيل: دخل عمر ☺ مِدْراس اليهود يوماً فسألهم عن جبريل ◙ فقالوا: ذاك عدونا يُطلِع محمداً على أسرارنا وإنَّه صاحب كلِّ خَسف وعذاب، وميكائيل صاحب الخِصب والسَّلام فقال لهم: وما منزلتهما من الله تعالى؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وبينهما عداوة، فقال: فإن كان كما تقولون فليسا بعدوِّين ولأنتم أكفر من الحمير، ومن كان عدواً لأحدهما فهو عدوٌ لله، ثمَّ رجع عمر ☺ فوجد جبريل قد سبق بالوحي فقال صلعم : ((قد وافقك ربك يا عمر)).
          هذا وقوله: لأنتم أكفر من الحمير؛ أي: أبله وأجهل فإنَّه قيل: إنَّه مثلٌ يضرب للبليد؛ لأنَّ الحمار مثل في البَلادة، وتعرّف النِّعم يحتاج إلى فطنة، والكفر لما كان نتيجة الجهل والبلادة / ولازمهما صَحَّ أن يُكنى به عنهما.
          وقيل: الحمار يعلفه صاحبه وهو يضربه برجله وذلك كفران، وفي المثل: أكفر من حمير، وهو رجلٌ يقال له: حمير أو حمار بن مُوَيْلَع من عاد كان له وادٍ طوله مسيرة يوم في عرض أربعة فراسخ لم يكن في بلاد العرب أخصب منه، فخرج بنوه يتصيَّدون فأصابتهم صاعقة فهلكوا فكفر، وقال: لا أعبد من فعل هذا، ودعا قومه إلى الكفر ومَن عصاه قتله، فأهلكه الله وأخرب واديه، فضُرِبَ به المثل.
          {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} البارز الأول لجبريل، والثَّاني للقرآن وإضماره غير مذكورٍ يدلُّ على فخامة شأنه كأنَّه لتعيُّنه وفرط شهرته لم يحتجَّ إلى سبق ذكره {عَلَى قَلْبِكَ} فإنَّه القابل الأول للوحي ومحلُّ الفهم والحفظ، وكان حقُّه على قلبي لكنَّه جاء على حكاية كلام الله تعالى كأنَّه قال: قل ما تكلَّمت به {بِإِذْنِ اللَّهِ} بأمره وتيسيره حالٌ من فاعل نزَّل؛ أي: مأذوناً من الله تعالى {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:97] أو حال من مفعوله، والظَّاهر أنَّ جواب الشَّرط {فَإِنَّه نَزَّلَهُ}، والمعنى من عادى منهم جبريل فقد خلع ربقة الإنصاف، أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إيَّاه لنزوله بالوحي عليك؛ لأنَّه نزل كتاباً مصدِّقاً للكتب المتقدِّمة فحُذِفَ الجواب وأُقيم علَّته مقامه، أو من عاداه فالسَّبب في عداوته أنَّه نزَّل عليك. وقيل: محذوف مثل: فليمت غيظاً أو فهو عدوٌّ لي وأنا عدوه، كما قال: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] أراد بعداوة الله: مخالفته عناداً، أو معاداة المقرَّبين من عباده، وصدَّر الكلام بذكره تفخيماً لشأنهم كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة:62].
          وأفرد الملكان بالذكر لفضلهما كأنَّهما من جنسٍ آخر، والتَّنبيه على أنَّ معاداة الواحد والكل سواءٌ في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى، وأنَّ من عادى أحدهم فكأنَّه عادى الجميع؛ إذ الموجب لمحبَّتهم وعداوتهم على الحقيقة واحدٌ، ولأنَّ المحاجة كانت فيهما، ووضع الظَّاهر موضع المضمر للدَّلالة على أنَّه تعالى / عاداهم لكفرهم، وأنَّ عداوة الملائكة والرُّسل كفرٌ، والله تعالى أعلم.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ : {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165] الْمَلاَئِكَةُ) وصله عبد الرَّزاق من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس ☻ ، ورواه الطَّبراني عن عائشة ♦ مرفوعاً: ((ما في السَّماء موضع قدمٍ إلَّا عليه ملك قائمٌ أو ساجدٌ فذلك قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات:165])).
          وروي أيضاً عن محمَّد بن سعد: حدَّثني أبي قال: حدَّثني عمي قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبَّاس ☻ بزيادة: الملائكة صافون تسبِّح الله ╡ قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] حكاية اعتراف الملائكة بالعبوديَّة للرَّدِّ على عبَدتهم، والمعنى ما أحد إلَّا له مقامٌ معلومٌ في المعرفة في أداء الطَّاعة ومنازل الخدمة {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:166] المنزِّهون لله تعالى عمَّا لا يليق به، ولعلَّ الأول إشارةٌ إلى درجاتهم في الطَّاعات وهذا في المعارف.
          واعلم أنَّ البخاريَّ ☼ ذكر في هذا الباب أحاديث كثيرة تزيد على ثلاثين حديثاً، وهو من نوادر ما وقع في هذا الكتاب أعني كثرة ما فيه من الأحاديث، فإنَّ عادته غالباً أن يفصلَ الأحاديث بالتَّراجم ولم يصنع ذلك هنا، وقد اشتملت أحاديث الباب على ذكر بعض من اشتهر من الملائكة كجبريل، ووقع ذكره في أكثر أحاديثه، وميكائل وهو في حديث سمرة وحده، والملك الموكل بتصوير ابن آدم، ومالك كخازن النَّار، وملك الجبال، والملائكة الذين في كلِّ سماءٍ، والملائكة الذين ينزلون في السَّحاب، والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور، والملائكة الذين يكتبون النَّاس يوم الجمعة، وخزنة الجنَّة، والملائكة الذين يتعاقبون.
          وورد ذكر الملائكة على العموم في كونهم لا يدخلون بيتاً فيه تصاوير، وأنَّهم يؤمِّنون على قراءة المصلِّى، ويدعون لمنتظر الصَّلاة، ويلعنون من هجرت فراش زوجها. فأمَّا جبريل ◙ / فقد وصفه الله تعالى بأنَّه روح القدس وبأنَّه الرُّوح الأمين وبأنه رسولٌ كريمٌ ذو قوَّة مكين مطاع أمينٍ.
          وسيأتي في التَّفسير: أنَّ معناه عبد الله، وهو وإن كان سريانيًّا لكنَّه وقع فيه موافقة من حيث المعنى للغة العرب؛ لأنَّ الجبر هو إصلاح ما وَهَى، وجبريل ◙ موكلٌ بالوحي الذي يحصل به الإصلاح، وقد قيل: إنَّه عربيٌّ وإنَّه مشتقٌّ من جبروت الله تعالى واستبعد للاتِّفاق على منع صرفه.
          وروى الطَّبري عن أبي العالية قال جبريل ◙: ((من الكروبيين وهم سادة الملائكة))، وروى الطَّبراني من حديث ابن عبَّاس ☻ قال: قال رسول الله صلعم لجبريل ◙: ((على أيِّ شيءٍ أنت؟ قال: على الرّيح والجنود، فقال: وعلى أيِّ شيءٍ ميكائيل؟ قال: على النَّبات والقطر، قال: وعلى أيِّ شيءٍ ملك الموت؟ قال: على قبض الأرواح)) الحديث.
          وفي إسناده محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وقد ضُعِّف لسوء حفظه ولم يُتْرك، وروى التِّرمذي من حديث أبي سعيدٍ مرفوعاً: ((وزيراي من أهل السَّماء: جبريل وميكائيل)).
          قيل: إنَّ خلق جبريل كان قبل خلق آدم ◙، وهو مقتضى عموم قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ} [البقرة:34] وفي التَّفسير أنَّه يموت قبل ملك الموت بعد فناء العالم، والله تعالى أعلم.
          وأمَّا ميكائيل ◙، فروى الطَّبراني عن أنسٍ ☺ أنَّ النَّبي صلعم قال لجبريل ◙: ((ما لي لم أر ميكائيل ضاحكاً قال: ما ضحك منذ خُلِقَتِ النَّار)).
          وأمَّا ملك التَّصوير، فقال الحافظ العسقلاني: لم أقف على اسمه، وأمَّا مالك خازن النَّار، فيأتي ذكره في تفسير سورة الزُّخرف إن شاء الله تعالى [خ¦4819]، وأمَّا ملك الجبال، فقال الحافظ العسقلانيُّ أيضاً: لم أقف على اسمه.
          ومن مشاهير الملائكة إسرافيل ◙، ولم يَقَع له ذِكْرٌ في أحاديث الباب. وقد روى النَّقاش أنَّه أوَّل من سجد من الملائكة فجوزي بولاية اللوح المحفوظ، / وروى الطَّبراني من حديث ابن عبَّاس ☻ : أنَّه الذي نزل على النَّبي صلعم فخيَّره بين أن يكون نبيًّا عبداً أو نبيًّا ملكاً، فأشار إليه جبريل ◙ أَنْ تواضعْ فاختار أن يكون نبيًّا عبداً.
          وروى أحمد والتِّرمذي عن أبي سعيدٍ ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((كيف أنعَمُ وصاحب القرن قد التقمَ القرن وحَنَى جبهته وانتظر أن يؤذن له)) الحديث.
          وفي كتاب «العظمة» لأبي الشَّيخ عن عليٍّ ☺ أنَّه ذكر الملائكة فقال: منهم الأمناءُ على وَحْيِه والحفظةُ لعباده، والسَّدَنةُ لِجِنَانه، والثَّابتةُ في الأرض السُّفلى أقدامُهم، المارقةُ من السَّماء العُليا أعناقهم، الخارجة من الأقطار أكنافهم، الماسة لقوائم العرش أكتافهم، انتهى. والله على كلِّ شيءٍ قدير.


[1] في هامش الأصل: قالوا الملائكة أنواع لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وساداتهم الأكابر أربعة: جبريل ومكيائيل، وعزرائيل، وإسرافيل، ومنهم: الروح، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوْحُ} ومنهم الحفظة، ومنهم الملائكة الموكلون بالقطر والنبات والرياح والسحاب، ومنهم ملائكة القبور، ومنهم سياحون في الأرض يبتغون مجالس الذكر، ومنهم كروبيون وروحانيون وحافون ومقربون، ومنهم ملائكة قذف الشياطين بالشهاب، ومنهم موكلون بصخرة بيت المقدس، ومنهم موكلون بالمدينة، ومنهم موكلون بتصوير النطف، ومنهم ملائكة يبلغون السلام إلى النبي صلعم من أمته، ومنهم من يشهد الحروب مع المجاهدين، ومنهم خزان أبواب السماء، ومنهم الموكلون بالنار، ومنهم ملائكة يسمون بالزبانية، ومنهم من يغرسون أشجار الجنة، ومنهم من يصوغون حلى أهل الجنة، ومنهم خدام أهل الجنة، ومنهم من نصفه ثلج ونصفه نار. منه.
[2] في هامش الأصل: الكرسي جسم بين يدي العرش محيط بالسماوات السبع لقوله صلعم: ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي إلا كحلقة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة، ولعله الفلك المشهور بفلك البروج، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وكأنه منسوب إلى الكرسي وهو المِلْبَد. منه.