نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثًا

          3295- (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) بالحاء المهملة وبالزاي، أبو إسحاق الزبيديُّ الأسديُّ المدينيُّ، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) هو: عبدُ العزيز بن أبي حازم، واسم أبي حازم: سَلَمة بن دينار، ومات عبد العزيز فجأةً في يوم الجمعة في مسجد رسول الله صلعم .
          (عَنْ يَزِيدَ) من الزيادة، وهو يزيد بن عبد الله بن شدَّاد بن أسامة بن عمرو، وهو المشهور بابن الهاد (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) أي: ابن الحارث، أبو عبد الله التيميِّ القرشيِّ المديني، مات سنة عشرين ومائة (عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ) أي: ابنُ عبيد الله بن عثمان التَّيميِّ القرشيِّ، مات في زمن عمر بن عبد العزيز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ) أي: أظنُّه قال: (أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثاً) أمرٌ من الاستنثار، وهو استخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من المخاط والغبار. وهذا معنى قول بعضهم: أن يستنشقَ الماء، ثمَّ يستخرجَ ما فيه من أذى أو مخاط، وكذلك الانتثار.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وقوله: ((فليستنثر)) أكثر فائدة من قوله: فليستنشق؛ لأنَّ الاستنثار يقع عن الاستنشاق بغير عكسٍ، فقد يستنشقُ، ولا يستنثرُ.
          والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق؛ لأنَّ حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه، والاستنثار: إخراج ذلك الماء، والمقصود من الاستنشاق: تنظيف داخل الأنف، والاستنثار: يُخْرِجُ ذلك الوسخَ مع الماء؛ فهو من تمام الاستنشاق. وقيل: إنَّ الاستنثار مأخوذٌ من النثرة، وهي طرف الأنف، وقيل: الأنف نفسه. فعلى هذا، فمن استَنْشَقَ فقد اسْتَنْثَر؛ لأنَّه يصدق أنَّه تناول الماء بأنفه، ولو بطرف أنفه، قال: وفيه نظر.
          وقال العينيُّ: ومما يدلُّ على أنَّ الاستنثار غير الاستنشاق ما رواه أبو هريرة ☺: أنَّه صلعم قال: ((إذا توضَّأ أحدكم / فليجعل الماء في أنفهِ، ثمَّ لينتثره))، وروي: أنَّه صلعم كان يستنشق ثلاثاً في كلِّ مرَّةٍ يستنثر.
          وقد مرَّ في كتاب الطهارة في باب الاستنثار في الوضوء حديث أبي هريرة ☺ من رواية أبي إدريس عنه، عن النَّبي صلعم أنَّه قال: ((من توضَّأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) [خ¦161]. وفي باب الاستجمار أيضاً من رواية الأعرج عنه: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((إذا توضَّأ أحدكم فليجعل في أنفه الماءَ ثمَّ لينتثر)) [خ¦162] الحديث.
          (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وضم الشين المعجمة. قال الكِرمانيُّ: هو أقصى الأنف، وفي «التوضيح»: هو الأنف. وقال الداودي: هو المنخر، والياء فيه زائدة، يقال: رجلٌ أخشم: إذا لم يجد رائحة الطيب. وقيل: الأخشم: مُنْتِنُ الخَيشوم، وقيل: الأخشم: الذي لا يجد ريح الشَّيء أصلاً، والخُشَام والخُشم: ما يسيل من الخيشوم، ثمَّ إنَّ ظاهر الحديث: أنَّ هذا يقع لكلِّ نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصاً بمن لم يحترس من الشَّيطان بشيءٍ من الذكر؛ لحديث أبي هريرة ☺ المذكور قبل حديث سعد ☺، فإنَّ فيه: ((وكانت له حرزاً من الشَّيطان)) وكذلك آية الكرسيِّ، وقد تقدم فيه: ((ولا يقربك شيطانٌ)).
          ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا: أنَّه لا يقترب من المكان الَّذي يوسوس فيه، وهو القلب، فمن استنثرَ إذا استيقظ منعه من التَّوصُّل إلى ما يقصده من الوسوسة، وحينئذٍ فالحديث متناولٌ لكلِّ مستيقظ، ثمَّ إنَّ الاستنشاق من سنن الوضوء اتِّفاقاً لكلِّ من استيقظ، أو كان مستيقظاً.
          وقالت طائفةٌ بوجوبه في الغسل، وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضاً.
          وهل تتأدَّى السنة بمجرده من غير استنثار أم لا؟. فيه خلاف، والذي يظهر: أنَّها لا تتمُّ إلَّا به؛ لما تقدَّم. ومطابقته للترجمة ظاهرة.
          وقد أخرجه مسلمٌ أيضاً في الطهارة، وكذا النسائيُّ فيه.