نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد

          3286- (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ) الحكمُ بن نافع، قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هُرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ) بضم العين.
          يقال: طعن الرُّمح وما أشبهه يطعُن، بضم العين، من باب نَصَر يَنْصُر، وطَعَن في العَرْض والنَّسب يَطْعَن، بفتح العين فيهما على المشهور، وقيل: باللغتين فيهما.
          (الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ) كذا في رواية الأكثرين بالإفراد، وفي رواية أبي ذرٍّ والجرجانيِّ: <في جنبيه> بالتَّثنية. وحكى القاضي عياض: أنَّ في كتابه من رواية الأَصيلي: <من تحته> الذي هو ضدُّ فوق، كذا قال العينيُّ.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وذكر القاضِي عياض: أنَّ في كتابه من رواية الأَصيليِّ: <جنيه> بالإفراد، لكن بياء مثناة من تحت بدل الموحَّدة، قال: وهو تصحيفٌ.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: لعلَّ نقطة سقطت من القلم، فلا ينبغي أن يعدَّ ذلك رواية. انتهى.
          وبين قوليهما مخالفة كما ترى.
          (بِإِصْبَعِهِ) بالإفراد وبالتَّثنية أيضاً على اختلاف الروايتين في الجنب (حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ) وهو الجلدة التي فيها الجنين، وتسمَّى: المشيمة، قاله ابنُ الجوزي. وقيل: الحجاب: الثَّوب الذي يُلَفُّ فيه المولودُ. وفي الحديث: فضيلةٌ ظاهرةٌ لعيسى وأمِّه ♂، إذ أراد الشَّيطان التمكُّن من أمِّه، فمنعه الله تعالى منها ببركة أمِّها حنَّةَ بنتِ فاقوذ بن ماثان، حيث قالت: {إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36].
          وروى عبد الرزاق في «تفسيره» عن المنذر بن النُّعمان الأفطس: سمع وهبَ بنَ منبِّه يقول: لمَّا ولد عيسى ◙ أتت الشَّياطينُ إبليسَ فقالوا: أصبحتِ الأصنام منكَّسةً، فقال: هذا حادث، مَكَانَكم، وطار حتَّى بلغَ خافقي الأرض، فلم يجد شيئاً، ثمَّ جاء البحار فلم يقدرْ على شيءٍ، ثمَّ طار / فوجدَ عيسى ◙ قد وُلِدَ عند مِزْوَدِ حِمَار، وإذا الملائكة قد حُفَّتْ به، فَرَجعَ إليهم فقال: إنَّ نبيًّا قد وُلِدَ البارحة، ولا حملتْ أنثى، ولا وضعتْ قط إلَّا وأنا بحضرتها، إلَّا هذه، فأيسوا من أن تُعْبَدَ الأصنام بهذه البلدةِ، وفي لفظ: بعد هذه اللَّيلة، ولكن ائتوا بني آدم بالخفَّة والعجلة.
          وقوله: ((إلَّا هذه)) يخالف ما في «الصحيح» إلَّا أن يؤوَّل.
          وأشار القاضي إلى أنَّ جميع الأنبياء ‰ يشاركون عيسى ◙ في ذلك. وقال القرطبيُّ: وهو قول قتادة، قال: وإن لم يكن كذلك يطلب الخصوصيَّة، ولا يلزم من نخسه إضلال المنخوس وإغواؤه، فإن ذلك طعنٌ فاسدٌ، فلم (1) يعرض الشَّيطان بخواصِّ الأولياء بأنواع الإغواء والمفاسد، ومع ذلك فقد عصمهم الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42].
          ومطابقةُ الحديث للترجمة ظاهرةٌ، وكذا بقيَّة الأحاديث الآتية.


[1] في هامش الأصل: في نسخة: فقد.