نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث عائشة: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك

          7217- (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى) بن أبي زكريا، أبو زكريا الحنظلي، قال: (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري، أنَّه قال: (سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) أي: ابن أبي بكر الصِّدِّيق ☺ (قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦: (وَارَأْسَاهْ) في أوَّل ما بدأ رسول الله صلعم وجعه الَّذي توفي فيه متفجعةً من وجع رأسها، وهو قول المتفجع على الرَّأس من الصداع ونحوه.
          (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) لها: (ذَاكِ) بكسر الكاف؛ أي: موتك كما يدلُّ عليه السِّياق (لَوْ كَانَ ذَاكَ) وقد سقط: ((ذاك)) في نسخة؛ أي: موتك (وَأَنَا حَيٌّ) الواو للحال (فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ) بكسر الكاف فيهما.
          (فَقَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ له صلعم : (وَاثُكْلِيَاهْ) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصحَّحاً عليها في الفرع كأصله، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <واثكلاه> بإسقاط الياء بعد اللام؛ أي: وافقدان المرأة ولدها، وهذا كلامٌ يجري على لسانهم عند إصابة مصيبةٍ، أو خوف مكروه، أو نحو ذلك (وَاللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي) فهمتْ ذلك من قوله لها: ((لو كان وأنا حيٌّ)) (وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ) بكسر اللام بعد المعجمة وسكون اللام بعدها؛ أي: لدنوتَ وقرَّبت (آخِرَ يَوْمِكَ) حال كونك (مُعَرِّساً) بكسر الراء مشددة؛ أي: بانياً (بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ) يقال: أظلَّك أمرٌ، وأظلك شهرٌ: أي: دنا منك، وأظلَّك فلانٌ: إذا دنا منك كأنَّه ألقى عليك ظِلَّه. ويقال: أعرسَ بأهله: إذا بنى بها، ويقال: أعرس الرَّجل فهو معرِّس، وأيضاً: عرَّس الرَّجل فهو معرِّس: إذا دخل بامرأته عند بنائها.
          (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ) إضرابٌ عن كلامها؛ أي: أُضرب أنا عن حكاية رأسك، وأشتغلُ بوجع رأسي، إذ لا بأسَ بكِ، فأنت تعيشين بعدِي، عَرَفَ ذلك بالوحي. ثمَّ قال صلعم : (لَقَدْ هَمَمْتُ) قال: (أو أَرَدْتُ) بالشَّك من الرَّاوي (أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (وَابْنِهِ) قيل: ما فائدة ذكر الابن، إذ لم يكن له دخلٌ في الخلافة؟ وأُجيب: بأنَّ المقام مقام استمالة قلبِ عائشة ♦؛ يعني: كما أنَّ الأمر مفوضٌ إلى والدك، كذلك الائتمار في ذلك بحضور أخيك وأقاربك هم أهل أمري، وأهل مشورتي، أو لمَّا أراد تفويضَ الأمر إليه بحضورها أراد إحضار بعضِ محارمه حتَّى لو احتاج إلى رسالةٍ إلى أحد، أو قضاء حاجةٍ لتصدى لذلك، ويروى: ((أو آتيه)) من الإتيان. قال في «المطالع»: قيل: إنَّه هو الصَّواب.
          (فَأَعْهَدَ) بفتح الهمزة وبالنصب عطفاً على ((أرسل))؛ أي: أوصي بالخلافة / لأبي بكرٍ كراهية (أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ) الخلافة لنا أو لفلان (أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ) أن تكون الخلافة لهم، فأعينه قطعاً للنِّزاع والأطماع (ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ) إلَّا أن تكون الخلافة لأبي بكر (وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ) خلافة غيره (أَوْ: يَدْفَعُ اللَّهُ) خلافة غيره (وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ) إلَّا خلافته، والشَّك من الرَّاوي في التَّقديم والتَّأخير. وفي مسلم: ((يأبى الله ويدفعُ المؤمنون إلَّا أبا بكرٍ ☺)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمةُ تؤخذ من قوله: ((لقد هممتُ أو أردت...)) إلى آخره، وقد مضى الحديث في ((الطِّب)) [خ¦5666]. وفي رواية لمسلم: ((ادعوا لي أبا بكرٍ أكتب كتاباً، فإنِّي أخافُ أن يتمنَّى متمنٍّ، ويأبى الله والمؤمنون إلَّا أبا بكرٍ))، وفي روايةٍ للبزَّار: ((معاذ الله أن يختلفَ النَّاس على أبي بكرٍ))، ففيه إشارة إلى أنَّ المراد الخلافة، وهو الَّذي فهمه البخاريُّ من حديث الباب، وترجم به.