نجاح القاري لصحيح البخاري

باب بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم

          ░32▒ (باب: بَيْعِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ) جمع ضيعة، وهي العقارُ، قاله الكرمانيُّ. وقال أيضاً: هو من عطف الخاصِّ على العامِّ. وقد فسَّر الجوهري الضَّيعة: بالعقار أيضاً. وقال صاحب «دستور اللغة»: الضَّيعة: القرية، وفي اصطلاح النَّاس كذلك لا يطلقون الضَّيعة إلَّا على القرية، وإليه أشار ابنُ الأثير أيضاً. قال: هي ما يكون منه معاش الرَّجل كالضَّيعة والتَّجارة والزِّراعة وغير ذلك، وذكره في باب الضاد مع الياء.
          قال ابنُ المُنيِّر: أضاف البيع إلى الإمام؛ ليشير إلى أنَّ ذلك يقع منه / في مال السَّفيه، أو في وفاء دين الغائبِ، أو من يمتنع، أو غير ذلك؛ ليتحقَّق أنَّ للإمام التَّصرف في الأموال في الجملة.
          وقال المهلَّب: إنَّما بيع الإمام على النَّاس أموالهم إذا رأى منهم سفهاً في أحوالهم، فأمَّا من ليس بسفيه، فلا يباع عليه شيءٌ من ماله إلَّا في حقٍّ عليه.
          (وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلعم مُدَبَّراً) بتشديد الموحدة المفتوحة (مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ) بفتح النون والحاء المهملة المشددة. قيل له ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال له: ((دخلت الجنَّة فسمعت نَحْمةً من نُعيمٍ))، والنَّحمة: السَّعلة، وقيل: النَّحنحة. ولفظ ((الابن)) زائدٌ، كذا قال العينيُّ.
          وقال أبو عمر ابن عبد البرِّ: هو نُعيم بن عبد الله النَّحام القرشيُّ العدوي، ونُعيم مصغَّر. وقال أبو عمر: سمِّي بذلك، وكان قديمَ الإسلام، يقال: إنَّه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر ☺، وكان يكتمُ إسلامه، وكانت هجرته عامَ خيبر، وقيل: بل هاجر في أيَّام الحديبية. وقيل: أقام بمكَّة حتَّى كان قبل الفتح. قُتِل بأجنادين شهيداً سنة ثلاث عشرةَ في آخر خلافة أبي بكرٍ ☺. وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة. وسقط قوله: ((مدبراً)) في روايةٍ للحمويي والمستملي.
          قال العينيُّ: وإنَّما ذكره البخاري في معرض الاستدلال؛ لِمَا ذكره قبله، وإنَّما باع مدبَّره؛ لأنَّه أنفق جميع ذات يده، فتعرَّض للهلكة، فنقض صلعم فعله، وإنَّما لم ينقض على الَّذي قال له: ((قل: لا خلابة)) لأنَّه لم يفوِّت على نفسه جميعَ ماله.