نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه

          ░29▒ (باب: مَنْ قُضِيَ لَهُ) بضم القاف على البناء للمفعول (بِحَقِّ أَخِيهِ) أي: خصمه، مسلماً كان أو ذمِّياً أو معاهداً أو مرتدًّا؛ لأنَّ الحكم في الكلِّ سواءٌ، فالإخوة باعتبار النَّوعية البشريَّة. وإنَّما ذكر بالإخوة مراعاةً للفظ الخبر الَّذي تقدَّم في ((ترك الحيل)) [خ¦6967] من طريق الثَّوري عن هشام بن عروة. وقيل: يحتمل أن يكون هذا من باب التَّهييج (فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَاماً وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً) هذا الكلام من كلام الشَّافعي، فإنَّه لمَّا ذكر هذا الحديث قال: فيه دَلالةٌ على أنَّ الأمَّة إنَّما كُلِّفوا القضاء على الظَّاهر، وفيه: أنَّ قضاءَ القاضي لا يحرِّم حلالاً ولا يحلُّ حراماً.
          وتحرير هذا الكلام: أنَّ مذهب الشَّافعي وأحمد وأبي ثورٍ / وداود وسائر الظَّاهرية: أنَّ كلَّ قضاء قضى به الحاكم من تمليك مالٍ أو إزالة ملكٍ أو إثبات نكاحٍ أو بطلاقٍ، أو بما أشبه ذلك، فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظَّاهر وجب ذلك على ما حُكم به، وإن كان في الباطن على خلاف ما شهدَ به الشَّاهدان، وعلى خلاف ما حكمَ به بشهادتهما لم يكن الحكم موجباً للتَّمليك ولا الإزالة ولا النِّكاح ولا الطَّلاق، ولا غيرهما وهو قولُ الجمهور، ومعهم أبو يوسف والثَّوري والأوزاعي ومالك.
          وقال ابن حزمٍ: لا يحلُّ ما كان حراماً، ولا يحرِّم ما كان حلالاً قبل قضائهِ، إنَّما القاضي منفِّذٌ على الممتنع فقط لا مزيَّة له على هذا.
          وقال الشَّعبي وأبو حنيفة ومحمد: ما كان من تمليك مالٍ فهو على حكمِ الباطن، وإن كان في نكاحٍ أو طلاقٍ بشهودٍ ظاهرهم العدالة، وباطنهم الجرحة، فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرِهم الَّذي تَعَبَّد الله أن يحكمَ بشهادة مثلهم، فإنَّه ينفذ باطناً وظاهراً.
          وحملوا حديث الباب على ما وردَ فيه وهو المال، واحتجُّوا لِمَا عداه بقصَّة المتلاعنين، فإنَّه صلعم فرَّق بين المتلاعنين مع احتمال أن يكون الرَّجل صادقاً فيما رماها به.