نجاح القاري لصحيح البخاري

قول الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}

          ░1▒ (قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) وفي رواية أبي ذرٍّ: <باب قول الله تعالى> ({أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]) والطَّاعة هي الإتيانُ بالمأمور به، والانتهاء عن المنهيِّ عنه والمعصية خلاف ذلك، والمراد من أولي الأمر الأمراء والولاة، قاله أبو هريرة ☺، وقال الحسن: العلماء، وكذا قال الضَّحَّاك ومجاهد، ورواه محيي السُّنَّة عن ابن عبَّاس ☻ وهم الَّذين يعلّمون النَّاس دينهم؛ لأنَّ أمرهم ينفذ على الأمراء، ودليلهم ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الَّذين يستنبطونه منهم، وقيل: (فإن تنازعتُم)؛ أي: أنتم وأولو الأمر منكم في شيءٍ من أمور الدِّين.
          وهذا يؤيِّد أنَّ المراد بأولي الأمر أمراء المسلمين؛ إذ ليس للمُقلِّد أن ينازعَ المجتهدَ في حكمهِ بخلاف المرؤوس، إلَّا أن يقال: الخطابُ لأولي الأمرِ على طريقةِ الالتفاتِ؛ أي: إن تنازعتُم في شيءٍ فيردّ العلماء إلى الكتاب والسُّنَّة.
          وقال ابن عُيينة: سألتُ زيد بن أسلم عنها ولم يكن أحدٌ بالمدينة يفسِّر القرآن بعد محمّد بن كعبٍ مثله، فقال: اقرأْ ما قبلها تعرف، فقرأت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] الآية فقال: هذه في الوُلاة.
          والنُّكتة في إعادة {وأطيعوا} في {الرَّسول} دون أُولي الأمر: الإيذان / بأنَّه لا استقلال لهم في الطَّاعة استقلالَ الرَّسول صلعم ، وذلك أنَّ المطاع في الحقيقة هو الله تعالى، إلَّا أنَّ الَّذي يعرف به ما يقع التَّكليف هما القرآن والسُّنة، فكان التَّقدير أطيعوا الله فيما نصَّ عليكم في القرآن، وأطيعوا الرَّسول فيما يبيِّن لكم من القرآن وما ينصُّه عليكم من السُّنَّة. أو المعنى: أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبَّد بتلاوته، وأطيعوا الرَّسول فيما يأمركم به من الوحي الَّذي ليس بقرآنٍ، وأشار بعدم إعادة أطيعوا في أولي الأمر إلى أنَّه يوجد فيهم من لا يجب طاعته، ثمَّ بين ذلك بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} [النساء:59]...إلى آخره كأنَّه قيل: فإن لم يعملوا بالحقِّ فلا تطيعوهم، وردُّوا ما تخالفتُم فيه إلى حكم الله ورسوله، وقد قال صلعم : ((لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق)).
          ومن بديع الجواب قول بعض التَّابعين لبعض الأمراء من بني أميَّة لمَّا قال له: أليس الله أمركم أن تطيعونا بقوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فقال له: أليس قد نزعت عنكم؛ يعني: الطَّاعة إذا خالفتم الحقَّ بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [النساء:59].