نجاح القاري لصحيح البخاري

باب أجر من قضى بالحكمة

          ░3▒ (باب أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ) وسقط لفظُ <أجر> في رواية أبي زيدٍ المروزيِّ؛ أي: من قضى بحكمِ الله تعالى، فلو قضى بغير حكمِ الله فسق (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]) أي: الخارجون عن طاعةِ الله تعالى.
          ووجه الاستدلالِ بالآية لمَّا ترجم به: أنَّ منطوق الحديث دلَّ على أنَّ من قضى بالحكمة كان محموداً، حتَّى إنَّه لا حرج على من تمنَّى أن يكون له مثل الَّذي له من ذلك ليحصلَ له مثل ما يحصل له من الأجرِ، وحسن الذِّكر.
          ومفهومه يدلُّ على أنَّ من لم يفعل ذلك فهو على العكس من فاعله، وقد صرَّحت الآية بأنَّه فاسقٌ، واستدلال المصنِّف بها يدلُّ على أنَّه يرجِّح قول من قال: إنَّها عامَّة في أهل الكتاب، وفي المسلمين. وحكى ابن التِّين عن الدَّاوديّ: أنَّ البخاريَّ اقتصرَ على هذه الآية دون ما قبلها عملاً بقول من قال: إنَّ الآيتين قبلها نزلتا في اليهود والنَّصارى.
          وتعقَّبه ابن التِّين: بأنَّه لا قائل بذلك، ونسَق الآية لا يقتضي ما قال.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وما نفاه ثابت عن بعض التَّابعين في ((تفسير الطبري)) وغيره، والَّذي يظهر أن يقال: إنَّ الآيات وإن كان سببُها أهلَ الكتاب، لكن عمومُها يتناول غيرهم، لكن لمَّا تقرَّر من قواعد الشَّريعة أنَّ مرتكب المعصية لا يسمَّى كافراً، ولا يسمَّى أيضاً ظالماً؛ لأنَّ الظُّلم قد فُسِّر بالشِّرك، بقيت الصِّفة الثَّالثة، فمن ثمَّة اقتصر عليها.
          وقال إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» بعد أن حكى الخلاف في ذلك: ظاهرُ الآيات يدلُّ على أنَّ من فعل مثل ما فعلوا، واخترعَ حكماً يخالفُ به حكم الله، وجعله ديناً يعمل به؛ فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غيره. وقال أبو منصورٍ: يجوز أن يحمل على الجحود في الثَّلاثة، فيكون ظالماً كافراً فاسقاً؛ لأنَّ الفاسق المطلق، والظَّالم المطلق، هو الكافرُ.
          وقال ابن بطَّالٍ: مفهوم الآية: أنَّ من حكم بما أنزلَ الله استحقَّ جزيل الأجر، ودلَّ الحديث على مناسبته، فاقتضى أنَّ ذلك من أشرف الأعمالِ، وأجل ما يتقرَّب به إلى الله.
          ويؤيِّده: حديث عبد الله بن أبي أوفى رفعه: ((الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جارَ تخلَّى عنه، ولزمه الشَّيطان)). أخرجه ابنُ المنذر. وأخرجه أيضاً ابن ماجه والتَّرمذيّ واستغربَه، وصحَّحه ابن حبَّان، والحاكم. / وقال النَّحاس: وأحسن ما قيل فيه: إنَّها كلَّها في الكفَّار، ولا شكَّ أنَّ من ردَّ حكماً من أحكام الله فقد كفرَ.