إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي

          7405- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياثٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان قال: (سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ) ذكوان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) إن ظنَّ أنِّي أعفو عنه وأغفر فله ذلك، وإن ظنَّ أنِّي أعاقبه وأؤاخذه فكذلك، وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرَّجاء على الخوف، وقيَّده بعض أهل التَّحقيق بالمُحْتَضَر، وأمَّا قبل ذلك فأقوال: ثالثها: الاعتدال، فينبغي للمرء أن يجتهد بقيام وظائف العبادات، موقنًا بأنَّ الله يقبله ويغفر له؛ لأنَّه وعده(1) بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظنَّ خلاف ذلك فهو آيسٌ من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك؛ وُكِلَ إلى ظنِّه، وأمَّا ظنُّ المغفرة مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرَّة (وَأَنَا مَعَهُ) بعلمي (إِذَا ذَكَرَنِي) وهي معيَّة خصوصيَّةٍ، أي: معه بالرَّحمة والتَّوفيق والهداية والرِّعاية والإعانة، فهي غير المعيَّة / المعلومة من قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}[الحديد:4] فإنَّ معناها المعيَّة بالعلم والإحاطة (فَإِنْ ذَكَرَنِي) بالتَّنزيه والتَّقديس سرًّا (فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ) بالثَّواب والرَّحمة سرًّا(2) (فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ) بفتح الميم واللَّام مهموزٌ(3)، في جماعةٍ جهرًا (ذَكَرْتُهُ) بالثَّواب (فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ) وهم الملأ الأعلى، ولا يلزم منه تفضيل الملائكة على بني آدم؛ لاحتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خيرٌ من ملأ الذَّاكرين الأنبياء والشُّهداء، فلم ينحصر‼ ذلك في الملائكة، وأيضًا فإنَّ الخيريَّة إنَّما حصلت بالذَّاكر والملأ معًا، فالجانب الذي فيه ربُّ العزَّة خيرٌ من الجانب الذي ليس فيه بلا ارتيابٍ، فالخيريَّة حصلت(4) على المجموع، وهذا قاله الحافظ ابن حجرٍ مبتكرًا، لكن قال: إنَّه سبقه إلى معناه الكمال بن الزَّملكانيِّ في الجزء الذي جمعه في الرَّفيق الأعلى (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ) بتشديد الياء (بِشِبْرٍ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”شبرًا“ بإسقاط الخافض والنَّصب، أي: مقدار شبرٍ (تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا) بكسر الذَّال المعجمة، أي: بقدر ذراعٍ (تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي: ”منه“ (بَاعًا) أي: بقدر(5) باعٍ، وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره (وَإِنْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ومن“ (أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) إسراعًا، يعني: من تقرَّب إليَّ بطاعةٍ قليلةٍ جازيته بمثوبةٍ كثيرةٍ، وكلَّما زاد في الطَّاعة زدت في ثوابه، وإن كان كيفيَّة إتيانه بالطَّاعة على التَّأني، فإتياني بالثَّواب له على السُّرعة، والتَّقرُّب والهرولة: مجازٌ على سبيل المشاكلة، أو الاستعارة، أو قصد إرادة لوازمها، وإلَّا فهذه الإطلاقات وأشباهها لا يجوز إطلاقها على الله تعالى إلَّا على المجاز؛ لاستحالتها عليه تعالى.
          وفي الحديث: جواز إطلاق «النَّفس» على الذَّات، فإطلاقه في الكتاب والسُّنَّة إذنٌ شرعيٌّ فيه، أو يقال: هو بطريق المشاكلة، لكن يعكِّر على هذا الثَّاني قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:28].
          والحديث من أفراده(6).


[1] في (ع): «وعد».
[2] زيد في (ع): «ذكرته»، وهو تكرارٌ.
[3] في (د): «مهموزًا».
[4] في غير (د) و(ع): «بالنِّسبة للمجموع».
[5] في (د): «مقدار».
[6] زيد في (ع): «والله الموفِّق».