إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه

          7404- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو عبد الله بن عثمان المروزيُّ، وعبدان لقبه (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزَّاي، محمَّد بن ميمون السُّكريِّ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السَّمان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ) ╡ (الخَلْقَ كَتَبَ) أَمَرَ القلمَ أن يكتب (فِي كِتَابِهِ(1)، هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ) بيانٌ لقوله: «كتب» ولأبي ذرٍّ: ”وهو يكتب“ فالجملة حاليَّةٌ (وَهْوَ وَضْعٌ) بفتح الواو وسكون الضَّاد المعجمة أي: موضوعٌ، وفي رواية أبي ذرٍّ على ما حكاه عياضٌ: ”وَضَعَ“ بفتح الضَّاد، فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ‼ للفاعل، وفي نسخةٍ معتمدةٍ: ”وضِعٌ“ بكسر الضَّاد مع التَّنوين (عِنْدَهُ) أي: علم ذلك عنده (عَلَى العَرْشِ) مكنونًا عن سائر الخلق، مرفوعًا عن حيِّز الإدراك، والله تعالى منزَّه عن الحلول في المكان؛ لأنَّ الحلول عَرَضٌ يَفْنى، وهو حادثٌ، والحادث لا يليق به تعالى، وليس الكَتْبُ لئلَّا ينساه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، بل لأجل الملائكة الموكَّلين بالمكلَّفين، وفي «بدء الخلق»: [خ¦3194] «فوق العرش» وفيه: تنبيهٌ على تعظيم الأمر وجلالة القدر، فإنَّ اللَّوح المحفوظ تحت العرش، والكتاب المشتمل على هذا الحكم فوق العرش، ولعلَّ السَّبب في ذلك _والعلم عند الله تعالى_ أنَّ ما تحت العرش عالم الأسباب والمسبَّبات، واللَّوح يشتمل على تفاصيل ذلك، ذكره في «شرح المشكاة» والمكتوب هو قوله: (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي) والمراد بالغضب لازمه، وهو إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب؛ لأنَّ السَّبق والغلبة باعتبار التَّعلُّق، أي: تعلُّق الرَّحمة سابقٌ على تعلُّق الغضب؛ لأنَّ الرّحمة مقتضى ذاته المقدَّسة، وأمَّا الغضب فإنَّه متوقّفٌ على سابقةِ عملٍ من العبد الحادث.
          والحديث سبق في أوائل «بدء الخلق» [خ¦3194] وأخرجه مسلمٌ.


[1] في (د): «كتابٍ».