الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه

          ░19▒ (باب: ما يُسْتَحبُّ لمن تُوفِّي فُجَاءة...) إلى آخره
          وفي التَّرجمة مسألتان:
          الأولى: التَّصدُّق عن الميت.
          والثَّانية: قضاء النَّذر عنه، وهما خلافيَّتان تقدَّم الكلام على الثَّانية منهما في (باب: مَنْ مات وعليه صوم) مِنْ كتاب الصِّيام، وأمَّا المسألة / الأولى: فقالَ النَّوويُّ في «شرح مقدِّمة مسلم» تحت قول عبد الله بن المبارك: ولكن ليس في الصَّدقة اختلاف، قالَ النَّوويُّ: مَنْ أراد برَّ والديه فليتصدَّق عنهما فإنَّ الصَّدقة تصل إلى الميِّت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين، وهذا هو الصَّواب، وأمَّا ما حكاه أقضى القضاةِ أبو الحسن الماورديُّ البصريُّ الفقيه الشَّافعيُّ في كتابه «الحاوي» عن بعض أصحاب الكلام مِنْ أنَّ الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطلٌ قطعًا وخطأٌ [بيِّنٌ] مخالف لنصوص الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأَمَّة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه، وأمَّا الصَّلاة والصَّوم فمذهب الشَّافعيِّ وجماهير العلماء أنَّه لا يصل ثوابهما إلى الميِّت إلَّا إذا كان الصَّوم واجبًا على الميت فقضاه عنه وليُّه أو مَنْ أَذِنَ له الوليُّ، فإنَّ فيه قولين للشَّافعيِّ أشهرُهما عنه أنَّه لا يصحُّ، وأصحُّهما عند محقِّقي متأخِّري أصحابه أنَّه يصحُّ، وأمَّا قراءة القرآن فالمشهور مِنْ مذهب الشَّافعيِّ أنَّه لا يصل ثوابها إلى الميِّت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت... إلى آخر ما بسط في الاختلاف والدَّلائل.
          وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز» في كتاب الأقضية أشدَّ البسط بما لا مزيد عليه، وفيه نقلًا عن النَّوويِّ في «شرح الأذكار»: واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، والمشهور مِنْ مذهب الشَّافعيِّ وجماعة أنَّه لا يصل، وذهب أحمد وجماعة مِنَ العلماء وجماعة مِنْ أصحاب الشَّافعيِّ إلى أنَّه يصل. انتهى.
          وأمَّا مذهب المالكيَّة فقال الدَّرْدِير: وفُضِّلَ تطوُّع وليِّه أو قريبه عن الميِّت وكذا عن الحيِّ بغير الحجِّ كصدقة دعاءٍ وهديٍ وعتقٍ لأنَّها تَقبل النِّيابة لا كصوم وصلاة، ويُكره تطوُّعه عنه بالحجِّ، وأمَّا القرآن فأجازه بعضهم وكرهه بعضهم.
          قال الدُّسوقيُّ: وله فأجازه بعضهم، وهو الَّذِي جرى به العمل، وهو ما عليه المتأخِّرون، وقوله: كرهه بعضهم، وهو أصل المذهب. انتهى.
          وأمَّا مذهب الحنفيَّة فقال ابن عابدين: صرَّح علماؤنا في باب الحجِّ عن الغير بأنَّ للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صومًا أو صدقة أو غيرها، كذا في «الهداية» وهو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، لكن استثنى مالكٌ والشَّافعيُّ العباداتِ البدنيَّة المحضة كالصَّلاة والتِّلاوة فلا يصل ثوابها إلى الميِّت عندهما، بخلاف غيرها كالصَّدقة والحجِّ، وخالف المعتزلة في الكلِّ وتمامه في «فتح القدير»... إلى آخر ما ذكر.