الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: هل ينتفع الواقف بوقفه؟

          ░12▒ (باب: هَلْ يَنْتَفِع الواقِفُ بِوَقْفِه؟...) إلى آخره
          قال الحافظ: أي: بأن يقف على نفسه ثمَّ على غيره، أو بأن يشترط لنفسه مِنَ المنفعة جزءًا معيَّنًا، أو يجعل للنَّاظر على وقفه شيئًا، ويكون هو النَّاظر، وفي هذا كلِّه خلاف، فأمَّا الوقف على النَّفس فسيأتي البحث فيه في (باب: الوقف كيف يُكتب؟) وأمَّا شرط شيء مِنَ المنفعة فسيأتي في (باب: قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} إلى آخره [النِّساء:6]) وأمَّا ما يتعلَّق بالنَّظر فأذكرُه هنا(1).
          ثم قال: قوله: (وقد يَلِي الواقف وغيره...) إلى آخره هو مِنْ تفقُّه المصنِّف، وهو يقتضي أنَّ ولاية النَّظر للواقف لا نزاع فيها، وليس كذلك، وكأنَّه فرَّعَه على المختار عنده، وإلَّا فعند المالكيَّة أنَّه لا يَجُوز، وقيل: إنْ دفعه الواقفُ لغيره ليَجْمَع غَلَّته ولا يتوَلَّى تفرِقَتَها إلَّا الواقفُ جاز، وَالَّذِي احتجَّ المصنِّف مِنْ قصَّة عمر ظاهرٌ في الجواز ثمَّ قوَّاه بقوله: (وكذلك كلُّ مَنْ جعل بَدَنة...) إلى آخره، وقالَ ابن بطَّالٍ: / لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه لأنَّه أخرجه لله وقَطَعه عن مِلكه، فانتفاعُه بشيء منه رجوع في صدقته، ثمَّ قال: وإنَّما يجوز له ذلك إن شرطه في الوقف أو افتقر هو أو ورثته. انتهى.
          قال الحافظ: وَالَّذِي عند الجمهور جواز ذلك إذا وقفه على الجهة العامَّة دون الخاصَّة كما سيأتي في ترجمة مفردة. انتهى.
          وقال الحافظ في (باب: الوقف كيف يكتب؟) يُستنبط مِنَ الحديث صحَّة الوقف على النَّفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه، وقال به مِنَ المالكيَّة ابنُ شعبان، وجمهورهم على المنع إلَّا إذا استثنى لنفسه شيئًا يسيرًا بحيث لا يُتَّهم أنَّه قصد حرمان ورثته، ومِنَ الشَّافعيَّة ابنُ سُريج وطائفة، واستدلَّ له بقصَّة عمر هذه... إلى آخر ما بَسط.
          وفي «هامش اللَّامع»: وفي «المغني»: مَنْ وقف شيئًا فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه، فلم يجزْ أن ينتفع بشيء منها إلَّا أن يكون قد وقف شيئًا للمسلمين فيدخل في جملتهم، مثل أن يقف مسجدًا فله أن يصلِّي فيه، أو مقبرة فله الدَّفن فيها، أو بئرًا فله الاستقاء منها، لا نعلم في هذا كلِّه خلافًا، وإذا اشترط في الوقف أن ينفق منه على نفسه أو أهله صحَّ الوقفُ والشَّرط، فذكر نحو ما تقدَّم في كلام الحافظ.
          والأوجه عندي أنَّ هاهنا مسألتين:
          إحداهما: انتفاع الواقف مِنْ وقفه، وهو مقصود هذا الباب.
          والثَّانية: اشتراط الواقف لنفسه شيئًا، وسيأتي في باب المستأنف(2) قريبًا، وهو (باب: إذا وقف أرضًا أو بئرًا أو اشترط لنفسه...) إلى آخره، وطالما التبستا على الشُّرَّاح فيذكرونهما واحدة، وميل البخاريِّ إلى الجواز في كلتيهما.


[1] قوله: ((هنا)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((مستأنف)).