الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب تأويل قول الله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

          ░9▒ (باب: تأويل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} إلى آخره [النِّساء:11])
          أي: بيان المراد بتقديم الوصيَّة في الذِّكر على الدَّين مع أنَّ الدَّين هو المقدَّم في الأداء، وبهذا يظهر السِّرُّ في تكرار هذه التَّرجمة.
          قوله: (ويذكر...) إلى آخره، [هذا] طرف مِنْ حديث أخرجه أحمدُ والتِّرمذيُّ وغيرهما مِنْ طريق الحارث الأعور عن عليٍّ ☺ قال: ((قضى محمَّد صلعم أنَّ الدَّين قبل الوصيَّة، وأنتم تقرؤون الوصيَّة قبل الدَّين)) وهو إسناد ضعيف، لكن قال التِّرمذيُّ: إنَّ العمل عليه عند أهل العِلم، وكأنَّ البخاريَّ اعتمد عليه لاعتضَاده بالاتِّفاق على مقتضاه، وإلَّا فلم تجرِ عادته أن يورد الضَّعيف في مقام الاحتجاج به، وقد أورد في الباب ما يعضُده أيضًا، ولم يختلف العلماء في أنَّ الدَّين يقدَّم على الوصيَّة إلَّا في صورة واحدة، وهي ما لو أوصى لشخص بألفٍ مثلًا، وصدَّقه الوارثُ وحكم به، ثمَّ ادَّعَى آخرُ أنَّ له في ذمَّة الميِّت دَينًا يستغرق موجوده وصدَّقَه الوارثُ، ففي وجهٍ للشَّافعيَّة تُقدَّم الوصيَّة على الدَّين في هذه الصُّورة الخاصَّة، ثمَّ قال: وإنَّما قُدِّمت الوصيَّة بمعنًى اقتضى الاهتمام لتقديمها؛ واختُلف في تعيين ذلك المعنى، وحاصل ما ذكره أهل العِلم مِنْ مقتضيات التَّقديم ستَّة أمور، ثمَّ ذكرها الحافظ مع الزِّيادة عليها، وتكلَّم الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع» على شرح هذا الباب بالبسط، فارجع إليه لو شئت.
          وفي «هامشه»: اعلم أوَّلًا أنَّ الإمام البخاريَّ بوَّب على هذه الآية بترجمتين: الأُولى: ما تقدَّم مِنْ قوله: (باب: قول الله ╡: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} إلى آخره [النِّساء:11]).
          والثَّانية: هي هذه، والفرق بينهما ظاهر، وهو أنَّ الغرض مِنَ الأُولى كما تقدَّم الاحتجاج على جواز إقرار المريض بالدَّين مُطْلقًا، وأمَّا الغرض مِنْ هذه التَّرجمة الثَّانية أنَّه تعالى قدَّم الوصيَّة في الذِّكر على الدَّين مع أنَّ الدَّين مقدَّم على الوصيَّة. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».