الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب؟

          ░10▒ (باب: إذا وَقَف أو أَوْصَى لأقَارِبِه...)
          وفي «الفيض»: شرع المصنِّف في مسائل الوقف، ووافق في أكثر مسائله صاحبي أبي حنيفة. انتهى.
          وقال الحافظ: حذف المصنِّف جواب قوله: (إذا) إشارة إلى الخلاف في ذلك، أي: هل يصحُّ أم لا؟ وأورد المصنِّف المسألة الأخرى مورد الاستفهام لذلك أيضًا، وتضمَّنت التَّرجمة التَّسوية بين الوقف والوصيَّة فيما يتعلَّق بالأقارب، وقد استَطْرد المصنِّف مِنْ هنا إلى مسائل الوقف فترجم لِما ظهر له منها، ثمَّ رجع أخيرًا إلى تكملة كتاب الوصايا وقد قال الماورديُّ: تجوز الوصيَّة لكلِّ مَنْ جاز الوقف عليه مِنْ صغير وكبير وعاقل ومجنون، وموجود ومعدوم إذا لم يكن وارثًا ولا قاتلًا. انتهى.
          ثمَّ اعلم أنَّ التَّرجمة كما لا يخفى تشتمل على مسألتين:
          الأُولى: الوصيَّة والوقف للأقارب.
          والثَّانية: مصداق الأقارب، والمسألة الأولى له صورتان إمَّا أن يكون الوصيَّة لأقارب نفسه أو لأقارب غيره.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: قد اختُلِف في ذلك، فقال الشَّافعيَّة: لَو أَوصى لأقارب نفسه لم تدخل ورثته بقرينة الشَّرع، وقيل: يدخلون لوقوع الاسم عليهم، ثمَّ يبطل نصيبهم لعدم إجازتهم لأنفسهم ويصحُّ الباقي لغيرهم، ويدخل في الوصيَّة لأقارب زيد الوارث وغيره، والقريب والبعيد، والمسلم والكافر والذَّكر والأنثى، والفقير والغنيُّ لشمول الاسم لهم، / ويستوي قرابة الأب والأمِّ، ولو كان الموصي عربيًّا لشمول الاسم، وقيل: لا تدخل قرابة الأمِّ إن كان الموصي عربيًّا لأنَّ العرب لا تعدُّها قرابةً ولا تفتخر بها، هذا ما صحَّحه في «المنهاج» كأصله، لكن قال الرافعيُّ في «شرحيه»: الأقوى الدُّخول، وصحَّحه في أصل «الرَّوضة» وقال أحمد كالشَّافعيَّة إلَّا أنَّه أخرج الكافر، وقال أبو حنيفة: القرابة كلُّ ذي رحمٍ محْرَمٍ مِنْ قبل الأب أو لأم(1)، ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الأمِّ، وقال أبو يوسف ومحمَّد: مَنْ جمعهم أب منذ الهجرة مِنْ قِبَلِ أبٍ أو أمٍّ، زاد زفر: ويقدَّم مَنْ قَرُب فهو رواية عن أبي حنيفة.
          وأقلُّ مَنْ يُدفع له ثلاثة، وعند محمَّد اثنان، وعند أبي يوسف واحد، ولا يُصرف للأغنياء عندهم إلَّا أن يشترط ذلك، وقال مالك: يختصُّ بالعَصَبة سواء كان يرثه أم لا، ويبدأ بفقرائهم حتَّى يَغْنَوا ثمَّ يُعطَى الأغنياء. انتهى.
          زاد العينيُّ: في مذهب أبي حنيفة: كلُّ ذي رحم محرم مِنْ قِبَلِ أبيه [أو] أمِّه ولا يدخل فيه الوالدان والولد لأنَّه تعالى عزَّ اسمه عطف الأقربين على الوالدين، والعطف يدلُّ على المغايرة، وقال قوم مِنْ أهل الحديث وجماعة مِنَ الظَّاهريَّة: الوصيَّة لكلِّ مِنْ جمعه وفلانًا أبوه الرَّابع إلى ما هو أسفل مِنْ ذلك، وذكره الحافظ رواية من(2) الإمام أحمد.
          قلت: هو المرجَّح في مذهبه.
          قوله: (وكانا أقربَ إليه مِنِّي) بسط الكلام عليه في «هامش اللَّامع» ويُشْكِل عليه ما سيأتي في تفسير سورة آل عمران، وفيه: (وأنا أقرب إليه) عكس ما هاهنا، وأجاب شيخ مشايخنا مولانا أحمد عليٍّ المحدِّثُ السَّهارنفوريُّ في «هامشه» في «التَّفسير»: لعلَّ قوله هاهنا مِنْ حيثُ إنَّه كان داخلًا في عيال أبي طلحة، لأنَّ أبا طلحة نكح أمَّ أنس فكان أنسٌ ربيبًا له، فمِنْ هذه الحيثيَّة كان أقرب منهما إليه، وأمَّا مِنْ حيثُ القرابة فكانا أقرب إليه مِنْ أنس. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» قوله: (وأنا أقرب إليه) أي: باعتبار التَّربية، وكانا أقرب إليه بحسب النَّسب، وليس فيه شكاية على إيثاره إيَّاهما عليه بل بيان لوجه إيثاره إيَّاهما عليه، والمعنى: إنِّي وإن كنت أقرب إليه بحسب وجوب التَّربية والمعاشرة إلَّا أنَّهما لمَّا كانا أقرب إليه منِّي نسبًا آثرَهُما عليَّ. انتهى.
          وبسط الكلام عليه في «هامش اللَّامع» على أنساب هؤلاء الأربعة، وأوضحه بصورة الجدول.


[1] في (المطبوع): ((الأم)).
[2] في (المطبوع): ((عن)).