الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت

          ░5▒ (باب: إذا أَوْمَأ المَرِيض برَأْسِه...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع»: أراد بذلك إثبات أنَّ الإشارة قائمة مَقام الكلام إذا لم يلْتَبِس المراد بها، وإنَّما أُديرَ القتلُ هاهنا على اعترافه لعدم ثبوت الدَّم بخبر الواحد، لا لأنَّ الإشارة لا تفِي بالمراد. انتهى.
          اعلم أنَّ هاهنا مسألتين:
          إحداهما: ما ترجم به البخاريُّ مِنْ قوله: (إذا أومأ المريض...) إلى آخره، والمراد بها الوصيَّة بالإيماء.
          والثَّانية: / ما يظهر مِنْ حديث الباب وهي مسألة القصاص.
          وعامة الشُّرَّاح لم يتعرَّضوا بالمسألة(1) الأُولى، وقال الحافظ: سيأتي الكلام عليه في القصاص.
          وقد عرفت أنَّ المذكور في التَّرجمة هي مسألة الوصيَّة بالإيماء، فأشار الشَّيخ قُدِّس سِرُّه إلى المسألة الأُولى بقوله: أراد بذلك، وإلى الثَّانية منهما بقوله: إنَّما أدير القتل هاهنا... إلى آخره.
          قالَ العَينيُّ في كتاب الخصومات: اختلف العلماء في إشارة المريض، فذهب مالكٌ والشَّافعيُّ إلى أنَّه إذا ثبتت إشارته على ما يَعرفُ مَنْ حَضَرَه جَازَت وَصِيَّتُه، وقال أبو حنيفة والأوزاعيُّ والثَّوريُّ: إذا سئل المريض عن الشَّيء فأومأ برأسه أو بيده فليس بشيء حتَّى يتكلَّم، قال أبو حنيفة: إنَّما يجوز إشارة الأخرس أو مَنْ لحقته سكتة لا يتكلَّم، وأمَّا مَنِ اعتُقل ولم يومِ_كذا في الأصل بالواو من الإيماء، والظَّاهر لم يدم بالدال من الدوام_(2) به ذلك فلا يجوز إشارته... إلى آخر ما قال.
          وقالَ الموفَّق: تصحُّ وصيَّة الأخْرَس إذا فُهِمَت إشارته لأنَّها أُقيمت مُقَام نُطْقِه، فإن لم تُفْهم إشارَتُه فلا حكم لها، وهذا قول أبي حنيفة والشَّافعيِّ، فأمَّا النَّاطق إذا اعتُقل لسانه فعُرِضَت عليه وصيَّته فأشار بها وفُهِمَت إشارته لم تصحَّ وصيَّته، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشَّافعيُّ: تصحُّ. انتهى.
          وأمَّا المسألة الثَّانية فسيأتي في كتاب الدِّيات إن شاء الله.


[1] في (المطبوع): ((للمسألة)).
[2] قوله: ((كذا في الأصل بالواو من الإيماء، والظاهر لم يدم بالدال من الدوام)) ليس في (المطبوع) ولكنه جاء في حاشية (المطبوع).