نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أول من قدم علينا مصعب وابن أم مكتوم وكانا

          3925- (حَدَّثَنَا) ويروى: <حدثني> بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) قال: (أخبرنا غُنْدَرٌ) بضم المعجمة محمد بن جعفر، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبيعي، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ☻ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ) أي: مصعب وابن أمِّ مكتومٍ. وفي أكثر النسخ: <وكانوا يُقرئون الناس> بصيغة الجمع بعد ذكر اثنين، وكذا أخرجه الحسنُ بن سفيان عن بُنْدَار شيخ المصنِّف فيه. وفي رواية الحاكم: «وكانوا يقرئوننا».
          (فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ) زاد في رواية الحاكم: «ابن مالك» وهو: ابنُ أبي وقاص أحد / العشرة المبشرة.
          وروى الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: وزعموا أنَّ آخر من قدم سعد بن أبي وقَّاص في عشرة فنزلوا على سعد بن خيثمة.
          (وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ) وقد تقدَّم في أول «الهجرة» [خ¦63/37-5783]: أنَّ أول من قدم المدينة من المهاجرين عامر بن ربيعة، ومعه امرأته أم عبد الله بنت أبي خيثمة، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وشماس بن عثمان بن الشَّريد وعبد الله بن جحش، ولعلَّ هؤلاء كانوا في العشرين الذين قدمُوا مع عمر ☺.
          وجزم موسى بن عُقبة: بأنَّ أوَّل من قدم المدينة من المهاجرين مُطلقاً أبو سلمة بن عبد الأسد، وكان رجعَ من الحبشة فأُوذيَ بمكة، فبلغه ما وقعَ للاثني عشر من الأنصار في العقبة الأولى، فرحلَ إلى المدينة في أثناء السنة. وهنا قد وقع أنَّ أول من قدم مصعب بن عُمير، فيجمع بينهما بأنَّ أبا سلمة خرج لا يقصد الإقامة، بل فراراً من المشركين، بخلاف مصعب بن عُمير فإنه خرج إليها للإقامة بها، وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النَّبي صلعم ، فلكلٍّ منهما أوَّلية من جهة.
          (ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم ) وذكر ابن إسحاق منهم: زيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عَمرو، وعَمراً وعبد الله ابني سُراقة، وخنيس بن حذافة، وواقد بن عبد الله، وخولي بن أبي خولي [ومالك بن ابي خولي]، وأخاه هلالاً، وعيَّاش بن أبي ربيعة، وخالداً، وإياساً، وعامراً وعاقلاً بني البُكير، قال: فنزلوا جميعاً على رفاعة بن عبد المنذر؛ يعني: بقباء.
          قال الحافظ العسقلاني: فلعلَّ بقية العشرين كانوا من أتباعهم. وروى ابن عائد في «المغازي» بإسناد له عن ابن عبَّاس ☻ قال: خرج عمر والزُّبير وطلحة وعثمان وعياش بن أبي ربيعة في طائفة فتوجَّه عثمان وطلحة إلى الشام. انتهى.
          وذكر موسى بن عقبة أنَّ أكثر المهاجرين نزلوا على بني عَمرو بن عوف بقباء إلَّا عبد الرحمن بن عوف ☺، فإنَّه نزل على سعد بن الرَّبيع، وهو خزرجيٌّ.
          (ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ) نصب بنزع الخافض؛ أي: كفرحهم (بِرَسُولِ اللَّهِ صلعم / حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ) جمع: أمة (يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) وفي رواية الحاكم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس ☺: فخرجت جوارٍ من بني النَّجار يضربنَ بالدفِّ وهنَّ يقلنَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ                     يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
          وعند أبي سعد في «شرف المصطفى» من طريق عبيد الله ابن عائشة منقطعاً: لما دخل النَّبي صلعم المدينة جعلنَ الولائد يقلنَ:
طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنَا                     مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعِ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا                      مَا دَعَا للَّهِ دَاعِ
          (فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] فِي سُوَرٍ) أي: مع سور (مِنَ الْمُفَصَّلِ) وهو السبع الأخير من القرآن. وفي رواية الحسن بن سفيان: «وسوراً». وفي رواية الحاكم: «وسورة» بالإفراد. قيل: هذا يدلُّ على أن سورة الأعلى نزلت بمكة، ويُشكل عليه أن قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15]. ذكر أنَّه نزلَ في صلاة العيد وزكاة الفطرِ، كما أخرجَهُ ابنُ أبي حاتم بإسنادٍ حسنٍ. وصحَّ أنَّ فرضَ صدقةِ الفطرِ ومشروعيَّة صلاةِ العيد كان في السَّنة الثانية من الهجرة.
          والجواب عن الإشكال من وجهين:
          أحدهما: إنَّه لا يبعدُ أن تكون السُّورة مكيَّة، وتكون هاتان الآيتان مدنيتين.
          وثانيهما: وهو الأوجه أنَّ نزول السُّورة كلها كان بمكَّة، ولكنَّ النَّبي صلعم بيَّن أنَّ المراد من الآيتين صلاة العيد وصدقة الفطر في المدينة، فليس في الآية إلَّا الترغيب في الذكر والصلاة من غير بيان للمراد، فبيَّنته السُّنَّة بعد ذلك، إذ يجوز تأخير البيان عن النزول.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.