التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم

          4249- قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعد الإمام، أحد الأعلام، الجواد، و(سَعِيدٌ) بعده: هو المَقْبُريُّ.
          تنبيهٌ: من يقال له: (سعيد) وروى عن أبي هريرة في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها: سعد _ويقال: سعيد_ مولى خليفة، وسعيد بن الحارث بن أبي سعيد بن المعلَّى الأنصاريُّ، وسعيد بن أبي الحسن البصريُّ، وسعيد بن حيَّان والد أبي حيان التيميُّ، وسعيد بن أبي سعيد المقبريُّ صاحب الحديث الذي نحن فيه، وهو أكثرهم حديثًا عنه، ما خلا ابن المُسَيَّـِب؛ فإنَّه أكثر منه، وسعيد بن سمعان المدنيُّ مولى الزُّرَقيِّين، وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي القرشيُّ، وسعيد ابن مرجانة المدنيُّ، وسعيد بن المُسَيَّـِب، وسعيد بن ميناء، وسعيد بن أبي هند المدنيُّ، وسعيد بن يسار أبو الحُباب المدنيُّ، وسعيد أبو عثمان التبَّان مولى المغيرة بن شعبة، فرحم الله الأئمَّة الأعلام الحفَّاظ الذين يُميزون حديث كلِّ واحد منهم من الآخر، ورضي الله عنهم أجمعين، وأنفعنا بهم وبعلمهم.
          قوله: (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ): (فُتِحت): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(خيبرُ): مرفوع نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وهذا ظاهرٌ.
          قوله: (أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلعم شَاةٌ): (أُهدِيَت): مَبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(شاةٌ): مرفوع منوَّنٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
          فائدةٌ: الذي سمَّ هذه الشاة هي امرأة يقال لها: زينب بنت الحارث بن سلَّام، وقال أبو داود: (أخت مرحب اليَهوديِّ)، وقد جاء ذلك في «مغازي موسى بن عقبة»، و«الدلائل» للبَيهَقيِّ، وقال ابن إمام الجوزيَّة شمس الدين: (زينب بنت الحارث اليَهوديَّة امرأة سلَّام بن مِشكَم)، انتهى وسأذكر في (الطبِّ) من عند الواقديِّ: أنَّه ◙ أُتِيَ بها، فقال: «ما حملك على ذلكِ؟» فذكرت جوابًا أذكره إن شاء الله تعالى في أواخر (الطبِّ) [خ¦5777].
          تنبيهٌ: في «نهاية ابن الأثير» في (حدث): («لم يقتل من نسائهم إلَّا امرأة واحدة كانت أحدثت حَدَثًا» قيل: حَدَثُها _يعني: المرأة التي قتلها النَّبيُّ صلعم من بني قريظة_ أنَّها سمَّت النَّبيَّ صلعم)، انتهى، وهذا غريبٌ، والمرأة التي قُتلت من بني قريظة سمَّاها الثعلبيُّ في «تفسيره»: (مُزنة) عن الواقديِّ، وسمَّاها ابن سيِّد الناس في «سيرته»: (بُنانة، امرأة الحكم القرظيِّ)، قال ابن هشام: (هي التي ألقت على خلَّاد بن سويد الرحى، فقتلته)، وكذا سمَّاها ابن عبد البرِّ: بُنانة التي ألقت الرحى على خلاد، وأين بنو قريظة من قصَّة خيبر؟!
          وقد اختُلف في التي(1) سمَّته ◙، فقال ابن إسحاق: (صفح عنها)، وروى أبو داود: (أنَّه قتلها)، وهذا في «المستدرك» في ترجمة بشر بن البراء بن معرور، وقال: (على شرط مسلم)، وعن «شرف المصطفى»: أنَّه قتلها وصلبها، / ووجه الجمع بين رواية: (صفح عنها) و(قتلها): أنَّه ◙ صفح عنها أوَّلًا؛ لأنَّه كان لا ينتقم لنفسه، فلمَّا مات بشر بن البراء بن معرور من تلك الأكلة؛ فقتلها به قصاصًا، وذلك أنَّ بشرًا لم يزل معتلًّا من تلك الأكلة، حتَّى مات بعد حول، ويقال: مات في الحال، قال القُرْطبيُّ: (لم يبرح من مكانه حتَّى مات)، فقتلها به، وهذا معنى كلام غيره أيضًا.
          غريبةٌ: روى مَعْمَر بن راشد في «جامعه» عن الزُّهريِّ أنَّه قال: (أسلمتْ، فتركها ◙)، قال مَعْمَر: (هكذا قال الزُّهريُّ: أسلمت، والناس يقولون: قتلها، وإنَّها لم تُسلم)، وفي «الشفا» للقاضي عياض ☼ في أواخره ما لفظه: (أو يكون هذا مما آذاه به كافر وقد جاء بعد ذلك إسلامه؛ كعفوه عن اليَهوديِّ الذي سحره، وعن الأعرابيِّ الذي أراد قتله، وعن اليَهوديَّة التي سمَّته، وقد قيل: إنَّه قتلها)، انتهى.
          فظاهر هذا أنَّ بعضهم قال في اليَهوديَّة إنَّها أسلمت، وهذا قدَّمتُه عن الزُّهريِّ، ولكنَّ الذي نقله القاضي عن اليَهوديِّ الذي سحره أنَّه أسلم لا أستحضره أنا إلَّا من كلام القاضي، وقد تَقَدَّم ما وقع في بعض نسخ «الشفا»، فإنَّه ينفي أنَّه أسلم [خ¦58/13-4946].
          وفي «جامع مَعْمَر» أيضًا: (أنَّ أمَّ بشر بن البراء قالت لرسول الله صلعم في المرض الذي مات فيه: يا رسول الله؛ فإنِّي لا أتَّهم لبِشْرٍ إلَّا الأكلة التي أكلها معك بخيبر، فقال: «وأنا لا أتهم بنفسي إلَّا ذلك»).
          قوله: (فِيهَا سُـَـِمٌّ): (السم): مثلَّث السين، والكسر أردؤها، وأفصحُها: الفتح، ويليه الضمُّ، وأُنْكِرَ الكسر.
          فائدةٌ: استُشهد من المسلمين خمسةَ عشرَ بخيبر، ذكرهم ابن سيِّد الناس مُسمَّين منسوبين في «سيرته»، وقُتِل من اليهود ثلاثة وتسعون، وفي غزوة خيبر حرَّم لحوم الحمر الأهليَّة، وأباح الخيل، ونهى عن أكل كُلِّ ذي ناب من السباع، ونهى عن بيع المغانم حتَّى تُقسم، وألَّا توطأَ جارية حتَّى تُستبرأ، وعن مُتعة النساء، وقد قدَّمتُ أنَّ هذا غلطٌ [خ¦4216]، وفي هذه الغزوة سمَّته زينب بنت الحارث امرأة سلَّام بن مُـَـِشْكَم، فجرى لها ما قد ذكرته قريبًا، وقد أمر ◙ بلحم الشاة فأُحرِق، وفيها في مرجعها نام عن الفجر، وقد تَقَدَّم ذلك، وبعضُهم قال: (نام ثلاث مرَّات أو مرتين عن الفجر)، وقدَّمتُ أنَّ الصحيح هذه المرَّة(2) بوداي القرى مرجعَه من خيبر [خ¦344].
          فائدةٌ: اختُلف في فتح خيبر هل كان عَنوة أو صُلحًا، أو جَلَا أهلَها بغير قتال، أو بعضها صُلحًا، وبعضها عَنوة، وبعضها جَلَا عنه أهلها رُعبًا.
          قال مغلطاي: (وعلى ذلك تدلُّ السنن الواردة، وقسمها نصفين؛ الأوَّل: له وللمسلمين، والثاني: لمن نزل به من الوفود والنوائب)، انتهى، والله أعلم، وسأذكر ما فُتح من البلاد التي وقفت عليها عَنوة أو صُلحًا في (فتح مَكَّة) إن شاء الله تعالى [خ¦4313].


[1] في (أ): (الذي)، والمُثبَت هو الصَّواب.
[2] في (أ): (المراة)، ولعلَّ المُثبَت هو الصَّواب.