التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الساعة التي في يوم الجمعة

          ░37▒ بَابُ السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ
          935- ذكر فيه حديث مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فقال: (فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا).
          الشَّرح: هذا الحديث رواه عن أبي هريرة ابن عبَّاسٍ وأبو موسى ومحمَّد بن سيرين وأبو سَلَمة بن عبد الرَّحمن وهمَّامٌ ومحمَّد بن زيادٍ وأبو سعيدٍ المقْبُرِيُّ وسعيد بن المسيِّب وعَطَاء بن أبي رَبَاحٍ وأبو رافعٍ وأبو الأحوص وأبو بُرْدَة ومجاهدٌ وعبد الرَّحمن بن يعقوب.
          أمَّا طريق ابن عبَّاسٍ فأخرجها النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة»، وذكر الدَّارَقُطنيُّ فيه اختلافًا في رفعه ووقْفِهِ.
          وأمَّا طريق أبي موسى فذكره الدَّارَقُطنيُّ في «علله».
          وأمَّا طريق محمَّدٍ فذكرها البخاريُّ في الطَّلاق وسيأتي.
          وأمَّا طريق أبي سَلَمة فأخرجها أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ. وقال الطَّرقيُّ: إنَّه أكمل الطُّرق إلى أبي هريرة، وفي آخره: ((قال أبو هريرة: فَلَقِيتُ عَبدَ اللهِ بن سَلَام فقال: هِيَ آخرُ سَاعةٍ مِنْ يومِ الجُمُعةِ)).
          وأمَّا طريق همامٍ فأخرجه مسلمٌ، وأمَّا طريق محمَّدٍ ففي مسلمٍ أيضًا. وأمَّا طريق أبي سعيدٍ فأخرجه النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة». وأمَّا طريق سعيدٍ ففيه أيضًا.
          وأمَّا طريق عطاءٍ _وأنَّها ما بين العصر إلى الغروب_ فذكرها الدَّارَقُطنيُّ وقال: هو موقوفٌ، ومن رفعه فقد وَهَمَ. وأمَّا طريق أبي رافعٍ فذكره الدَّارَقُطنيُّ في «علله»، وقال: الأشبه قتادة عنه عن أبي هريرة.
          وأمَّا طريق أبي الأحوص فذكره أيضًا وقال: الأشبه عن ابن مسعودٍ، واختلف عن عطاءٍ في رفعه.
          وأمَّا طريق أبي بُرْدة ومجاهدٍ فذكرهما أيضًا.
          وأمَّا طريق عبد الرَّحمن بن يعقوب مولى الحُرَقَة فذكره ابن عبد البرِّ وصحَّحه.
          وأمَّا طريق البخاريِّ هنا الأعرج عبد الرَّحمن بن هُرمُزَ عنه، وأخرجها مسلمٌ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ.
          قال ابن عبد البرِّ عامَّة الرِّواة في هذا الحديث: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي) إلَّا قتيبةَ وابنَ أبي أويسٍ وعبدَ الله بن يوسف وأبا المصعب فلم يقولوها، وهو محفوظٌ في هذا الحديث من رواية مالكٍ وغيره عنه.
          قلت: وروى حديث ساعة الجمعة عن رسول الله صلعم غيرُ أبي هريرة: أبو موسى وأبو لُبَابة وعمرو بن عوفٍ المزنيُّ وابن مسعودٍ وعبد الله بن سلَام وأبو سعيدٍ وجابرٍ وأنسٍ، وذكر التُّرمذيُّ أنَّ في الباب أيضًا عن أبي ذرٍّ وسلمانَ وسعدِ بن عُبَادة.
          أمَّا حديث أبي موسى فأخرجه مسلمٌ وأبو داود بلفظ: ((هِيَ ما بينَ أن يَجْلِسَ الإمامُ _يَعْني: عَلَى المنبرِ_ إلى أن يَقْضِي الصَّلاةَ)).
          وذكر الدَّارَقُطنيُّ اختلافًا في إسناده، وأنَّه رُوي موقوفًا ولفظه: ((هِيَ عِنْدَ نزولِ الإمامِ))، ولفظ رواية الموقوف: ((ما بينَ نُزولِ الإمامِ عن مِنْبرهِ إلى دُخُولهِ في الصَّلاة)).
          وروى البيهقيُّ بإسناده عن مسلم بن الحجَّاج قال: هذا الحديث أجودُ حديث وأصحُّه في بيان ساعة الجمعة.
          قلت: لكنَّه من رواية مَخْرَمة بن بُكَيرٍ، عن أبيه، عن أبي بردة، عن أبي موسى. وفي سماع مَخرَمة من أبيه ثلاثة أقوال:
          أحدها: أنَّه لم يسمع منه مطلقًا. قاله أحمد وابن معينٍ والبخاريُّ، وانتقد الدَّارَقُطنيُّ هذه التَّرجمة على مسلمٍ.
          ثانيها: أنَّه سمع منه فردَ حديثٍ. قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلَّا حديثَ الوِترِ.
          ثالثها: أنَّه سمع منه. قلت: وضعَّفه ابن معينٍ أيضًا.
          وأمَّا حديث أبي لُبَابة فأخرجه ابن ماجه مطوَّلًا وأنَّه سيِّد الأيَّام، وأنَّه أعظم عندَ الله من يوم الفِطر ويوم الأضحى.
          وأمَّا حديث عمرو بن عوفٍ فأخرجه ابن ماجه وحسَّنه التِّرمذيُّ ولفظه: ((حينَ تُقَامُ الصَّلاةِ إلى الانصرافِ مِنْهَا)) واستغربه التِّرمذيُّ أيضًا مع التَّحسين وقال: إنَّه أحسنُ شيءٍ في الباب. ولا نسلِّم له، فمدارُهُ على كثير بن عمرو بن عوفٍ، وهو واهٍ.
          قال الشَّافعيُّ: ركنٌ مِنْ أركان الكذب.
          وأمَّا حديث ابن مسعودٍ فأورده الدَّارَقُطنيُّ مِن حديث أبي الأحوص عنه، ثمَّ قال: ورواه عطاء بن السَّائب والأغرُّ بن الصَّبَّاح عن أبي الأحوص عنه، وذكر أنَّ حديثَهُ أشبه.
          وأمَّا حديث عبد الله بن سلَام فأخرجه ابن ماجه.
          وأمَّا حديث أبي سعيدٍ فأخرجه أحمد، وفيه: ((وَهِيَ بَعْدَ العَصَر)).
          وأمَّا حديث جابرٍ فأخرجه أبو داود والنَّسائيُّ، وصحَّحه الحاكم، وفيه: ((التَمِسُوها آخِرَ ساعةٍ بَعْدَ العَصْرِ)). وذكر ابن عبد البرِّ أنَّ قوله: ((فَالْتَمِسُوهَا..)) إلى آخره. من قول أبي سلمة، وقال العُقَيليُّ: الرِّواية في التَّوقيت ليِّنةٌ.
          وأمَّا حديث أنسٍ فأخرجه التِّرمذيُّ واستغربه، / وفيه: ((التَمِسُوها بَعْدَ العَصَر إلى غَيْبوبةِ الشَّمسِ)).
          إذا تقرَّر ذلك فالحديث دالٌّ على فضيلة يوم الجمعة على سائر الأيَّام.
          وفي يوم عرفة وجهان لأصحابنا: أصحُّهما أنَّه أفضلُ من يوم الجمعة، وذاك على أنَّ فيه ساعةً هي أفضل من سائر ساعاته، ولا مانع من التَّفضيل على لسان هذا النَّبيِّ العظيم.
          وقوله: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّيْ) يحتمل الحقيقة، ويحتمل صلاةً ذات سببٍ، ويحتمل الدُّعاء، ويحتمل الانتظار، ويحتمل المواظبة على الشَّيء لا الوقوف، من قوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75] أي: مواظبًا.
          وقوله: (يُقَلِّلُهَا) وفي «صحيح مسلمٍ»: ((يزهِّدها)). وهو بمعناه، وفي لفظٍ: ((وَهِيَ سَاعةٌ خَفِيفةٌ)).
          وقوله: (شَيْئًا) كذا في «الصَّحيح»، وللنَّسائيِّ: ((خَيرًا)).
          وقد اختلفت الآثار في السَّاعة المذكورة، واختلف العلماء بسببها على أقوالٍ كثيرةٍ يحضرنا منها نحو عشرين قولًا:
          أحدها: أنَّها بعد صلاة العصر إلى الغروب، قاله جماعةٌ.
          وهذا رواه عبد الله بن سلَامٍ وأبو سعيدٍ الخُّدْريُّ وأنسٌ وأبو هريرة كما سلف.
          وذكر ابن بطَّال أنَّه مرويٌّ عن عبد الله بن سلَامٍ وأبي هريرة وابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ وطاوسٍ، وقد رواه ابن أبي شيبة عنهم بالأسانيد.
          وقال التِّرمذيُّ: رأى بعض أهل العلم مِن الصَّحابة وغيرهم أنَّ هذا هو السَّاعة التي تُرجى. قال: وبه يقول أحمد وإسحاق. قال: وقال أحمد: أكثرُ الحديث في ساعة الإجابة أنَّها بعدَ العصر، وتُرجى بعد الزَّوال، وتأوَّل قوله: (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّيْ) على ما سلف، والملائكة يَتَعَاقبُون في صلاة العصر، فهو عَرْضُ الأعمال على الرَّبِّ، ولذلك شدَّد صلعم فيمن حَلَفَ على سلعته بعد العصر لقد أُعطيَ بها أكثر، تعظيمًا للسَّاعة، وفيها يكون اللِّعان والقَسَامة، ذكره المهلَّب.
          ثانيها: عند الزَّوال قاله الحسن وأبو العالية.
          وعبارة الدِّزْمارِيِّ عن الحسن أنَّها من زوال الشَّمس إلى الغروب.
          ثالثها: أنَّها من طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس، قاله أبو هريرة، ورُوي عنه أيضًا كما سلف، وعبارة بعضهم فيه: ما بين طلوع الفجر وطلوع الشَّمس، وكذا حكاه القاضي أبو الطَّيِّب وابن الصَّبَّاغ وآخرون.
          رابعها: عند الأذان، رواه ابن أبي شيبة عن عائشة، وفي روايةٍ: ((إذا أذَّنَ المؤذِّنِ لِصَلاةِ الغَدَاة)).
          خامسها: ((إذا جَلَسَ الإمامُ على المنبرِ إلى أن تُقْضَى الصَّلاةُ))، رواه مسلمٌ كما سلف، وصحَّحه النَّوويُّ.
          وقال ابن التِّين: إنَّه الصَّحيح عندي، وعبارة القاضي عِياضٍ: ما بين خروج الإمام وصلاته، وقيل: من حين تُقام الصَّلاة حتَّى تَفْرُغ.
          سادسها: وقت صلاة الجمعة، وسلف أنَّ هذه رواية عمرو بن عوفٍ، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر، ونقله ابن بطَّالٍ عن أبي بُردَة ومحمَّد بن سيرين، وعبارة ابن عبد البرِّ: وقال آخرون: من الإحرام بها إلى السَّلام منها، وذلك موافقٌ لقوله: (قَائِمٌ يُصَلِّي).
          سابعها: ما بين الزَّوال إلى أن يدخل الرَّجل في الصَّلاة، ذكر أبو السَّوَّار العَدَويُّ أنَّهم كانوا يرون ذلك، وعبارة ابن الصَّبَّاغ في حكاية هذا القول كذلك: من الزَّوال إلى أن يدخل الإمام في الصَّلاة. وعبارة القاضي أبي الطَّيِّب: مِن الزَّوال إلى خروج الإمام، فيكون قولًا آخر.
          ثامنها: ما بين أن ترتفع الشَّمس شِبرًا إلى ذراعٍ. نقله ابن بطَّالٍ عن أبي ذرٍّ، ورواه ابن عبد البرِّ عن أبي ذرٍّ أنَّ امرأتَهُ سألتُهُ عنها، فأجابَ بذلك.
          تاسعها: رواه ابن أبي شيبة عن أبي أُمَامة، قال: إنِّي لأرجو أن تكونَ السَّاعةُ التي في الجُمُعة إحدى هذه السَّاعات، إذا أذَّن المؤذِّن أو الإمام على المنبر أو عند الإقامة.
          العاشر: ما بين أن يحرُم البيع إلى أن يحلَّ، ذكره ابن بطَّالٍ عن الشَّعبيِّ، ورواه ابن أبي شيبة.
          الحادي عشر: آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، تقدَّم في رواية جابرٍ وعبد الله بن سلَامٍ، وروى سعيد بن منصورٍ في «سننه» عن أبي سَلَمة بن عبد الرَّحمن أنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صلعم اجتمعوا فتذاكروا السَّاعة التي في يوم الجُمُعة، فتفرَّقوا ولم يختلفوا أنَّها آخِرُ ساعةٍ من يوم الجمعة، وسلف أنَّه رواية العلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة: وهي السَّاعة التي خُلِقَ فيها آدم.
          وعن طاوسٍ: أنَّها التي تقوم فيها السَّاعة، والتي أُنزل فيها آدم، من حين تصفرُّ الشَّمس إلى حين تغيب.
          وفي «كتاب أبي القاسم الجُوزيِّ» من حديث أبي سعيدٍ مرفوعًا: ((هِيَ عِشَاءُ يومِ الجُمُعة آخِرَ ساعةٍ من يومِ الجُمُعةِ قَبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ، أَغفلُ ما يَكُونُ النَّاسُ)). وهذا القول مال إليه ابن عبد البرِّ، وقال الطُرطُوشيُّ: إنَّه في نفسي أقوى.
          الثاني عشر: مِن عند الزَّوال إلى نصف ذِراعٍ، ذكره المُنذريُّ.
          الثالث عشر: أنَّها مخفيَّةٌ في اليوم كلِّه، كليلة القَدْر والصَّلاة الوسطى، حكاه القاضي عياضٌ وغيره، ونقله ابن الصبَّاغ عن كَعْب الأحبار، والحكمة في إخفائها: الجدُّ والاجتهاد في طلبها في كلِّ اليوم، كما أخفى أولياءه في خلقه تحسينًا للظَّنِّ بالصَّالحين.
          الرابع عشر: أنَّها السَّاعة الثَّالثة من النَّهار، حكاه ابن قُدَامة.
          الخامس عشر: قال كعبٌ: لو قسم الإنسان جمعةً في جُمَعٍ أتى على تلك السَّاعة.
وقال الزُّهريُّ _فيما حكاه ابن الأثير_: إذا قَسَم الإنسان ساعاتِ نهارِ يومِ الجمعة على أيَّام الجُمَع صادف السَّاعة المخصوصة لا بعينها.
          قلت: إلَّا على القول بأنَّها لا تنتقل.
          السادس عشر: أنَّها متنقِّلةٌ في اليوم. واختاره الغزاليُّ في «الإحياء» وقال: إنَّه الأشبه كما في ليلة القَدْر. وقال الحافظ محبُّ الدِّين الطَّبريُّ: إنَّه الأظهر.
          السابع عشر: قال ابن الجُوزيِّ: وفي حديث فاطمة _بضعة رسول الله_ أنَّها سألتْ رسولِ اللهِ صلعم عنها / فقال: ((إذا تدلَّى نِصْفُ عَيْنِ الشَّمس)).
          قلت: وأخرجه البيهقيُّ في «فضائل الأوقات» ثمَّ قال: كان صلعم يَعْلَمُ هذهِ السَّاعة بعينها ثمَّ نسيَهَا كما أُنسيَ ليلةَ القَدْر ليَسْتَغْرِق العَبْدُ جميعَ النَّهار بالذِّكر والدُّعاء. وهذا يأتي قريبًا مرفوعًا.
          فهذه سبعة عشر قولًا وأنيف، وقد أفردتها قديمًا في جزءٍ، وفي هذا زيادةٌ، وذكرت هناك قولًا: إنَّها ساعةٌ بعد طلوع الشَّمس. حكاه الجِيليُّ في «شرحه»، والحافظ محبُّ الدِّين الطَّبريُّ في «شرحه» أيضًا، وأنَّ الغزاليَّ في «الإحياء» حكى قولًا أنَّها عند طلوع الشَّمس، وآخر أنَّها مع الأذان، وقد سلف، وآخر أنَّها إذا صعد الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة، وآخر أنَّها إذا قام النَّاس إلى الصَّلاة، وآخر أنَّها آخر وقت اختيار العصر، وتأمَّل هذه الأقوال مع ما سلف تجدها أكثر ممَّا ذكرناه. قال القاضي عياضٌ: وليس معنى هذه الأقوال أنَّ هذا كلَّه وقتٌ لهذه السَّاعة بل معناه أنَّها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله: (وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا).
          قال النَّوويُّ: وهذا الذي قاله في نفسه صحيحٌ، وعلى كلٍّ مِنَ الأقوال فهي تختلف باختلاف البلاد لاختلاف الأزمنة باختلافها، فإن قلت: كيف يَسألُ وهو يصلِّي؟ فالجواب: إمَّا أن يكون في الصَّلاة بأن يكون في التِّلاوة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة:286] مثلًا فقد سأل، أو عند القراءة كما جاء في حديث حذيفة: ((إذا مرَّ بآيةِ رَحْمةٍ سَأَلَ، وإذا مرَّ بآيةِ عَذَابٍ اسْتَعَاذَ)).
          وهو محتملٌ للفرض والنَّفل، نعم ورد في النَّفل، أو يسأل بعد انقضاء التَّشهُّد، فإنَّه يُسنُّ عَقِب الصَّلاة عليه إمَّا بما صحَّ في الحديث أو بقرآنٍ، فيدعو بما شاء، وأيضًا فنفس قيامه إلى الصَّلاة سؤال.
إِذَا أَثْنَى عَلَيكَ المَرءُ يَومًا                     كَفاَهُ مِنْ تَعرُّضِهِ الثَّنَاءُ
          وهذا مع مربوبٍ فكيف بربِّ الأرباب؟! وإمَّا أن يكون خارجها ويسأل بعد السَّلام، والسَّاعة لم تَنْقَضِ فيكون معنى سؤاله في الصَّلاة عند فراغِهَا.
          وقال الأَثرم في «ناسخه»: لا تخلو هذه الأحاديث مِن وجهَين: إمَّا أن يكون بعضها أصحُّ من بعضٍ، وإمَّا أن تكون متنقِّلةً كما تَتنقَّل ليلةُ القَدْر في العشر.
          وقال ابن قدامة _لمَّا أورد: مِن حين تُقام إلى الانصراف_ فعلى هذا تكون السَّاعة مختلفةً، فتكون في حقِّ كلِّ قومٍ في وقت صلاةٍ.
          وأبعدَ قومٌ فقالوا: رُفعتْ، حكاه ابن عبد البرِّ، ثمَّ قال: وليس بشيءٍ عندنا لحديث ابن جُرَيجٍ، عن داود بن أبي عاصمٍ عن عبد الله بن قيسٍ مولى معاوية، قلتُ لأبي هريرة: زعموا أنَّ السَّاعة التي في يوم الجُمُعة قد رُفعت. قال: كَذَبَ مَنْ قال ذلك. قلتُ: فهي في كلِّ جمعةٍ أستقبِلُهَا؟ قال: نعم.
          قال أبو عمر: على هذا تواترت الأخبار.
          وفي «صحيح الحاكم» مِن حديث أبي سَلَمة: قلتُ: يا أبا سعيدٍ، إنَّ أبا هريرة حدَّثنا عن السَّاعة التي في يوم الجمعة، هل عندَكَ فيها عِلمٌ؟ فقال: سَأَلْنَا النَّبيَّ صلعم عنها فقال: ((إنِّي كُنْتُ أَعْلَمُها ثمَّ أُنْسِيتُها كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلةَ القَدْر))، ثمَّ قال: صحيحٌ. وخرَّجه ابن خزيمة أيضًا في «صحيحه».
          وفي كتاب ابن زَنْجويه عن محمَّد بن كعبٍ القُرَظيِّ أنَّ كلبًا مرَّ بعد العَصَر في مسجِدِ رسول الله صلعم، فقال رجلٌ من الصَّحابة: اللهُمَّ اقتلْهُ. فماتَ، فقال النَّبيُّ صلعم: ((لَقَد وافَقَ السَّاعةَ التي إذا دُعِيَ فيها استُجِيبَ)).
          وروى الأوزاعيُّ عمَّن حدَّثه عن أبي الخير، عن عليِّ بن أبي طالبٍ مرفوعًا: ((إذا زالتِ الأَفْياءُ ورَاحَت الأرواحُ فاطْلُبُوا مِنَ اللهِ تَعَالى حَوائِجَكُم، فإنَّها سَاعةُ الأوَّابين، وإنَّه كانَ للأوَّابين غفورًا)).