التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد

          ░29▒ بَابُ مَنْ قَالَ فِي الخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ
          رَوَاهُ عِكْرِمَةُ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم
          922- 923- 924- 925- 926- 927- ثمَّ ذكر تعليقًا عن أسماءَ في الكسوف فقال: وَقَالَ مَحْمُودٌ، فذكره، وفيه: ثمَّ قال: (أَمَّا بَعْدُ).
          ثمَّ أسند مِن حديث عمرو بن تَغلِب وعائشة وأبي حُمَيدٍ والمِسوَر بن مَخْرَمة وابن عبَّاسٍ، وفيها كلِّها بعد الثَّناء على الله: (أَمَّا بَعْدُ).
          الشَّرح: أمَّا حديث ابن عبَّاسٍ الأوَّل فقد أسنده آخر الباب، وأمَّا حديث أسماء فذكره مطوَّلًا، ومختصرًا، وقد رواه في باب: مَن أجاب الفتيا بإشارة الرَّأس واليد مِن كتاب العلم عن موسى بن إسماعيل، وفي باب من لم يَرَ الوضوء إلَّا من الغشيِّ عن إسماعيل، وسيأتي في الكسوف والسَّهو.
          وأسماءُ جدَّةُ فاطمة بنت المنذر جدَّة أبيها، ومحمودٌ هو ابن غَيلان المَروَزيُّ الحافظ، مات سنة تسعٍ وثلاثين ومائتين.
          وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وسياق البخاريِّ هنا يؤذِن أنَّ أسماء روته عن عائشة، وهو خلاف ما ذكره في العلم والطَّهارة مِن رفعه عنها، ولعلَّ الصَّواب ما هنا.
          وأمَّا حديث عمرو بن تَغلِب فأخرجه في الخمس والتَّوحيد وهو من أفراده.
          و(عمرٌو): رَبعيٌّ صحابيٌّ، خرَّج له البخاريُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه.
          و(تَغْلِبَ): بمثنَّاة فوق ثمَّ غينٍ معجمةٍ، قال المزِّيُّ تبعًا لعبد الغنيِّ: لم يروِ عنه غيرُ الحسن البصريِّ فيما قاله غير واحدٌ، ولعلَّ المراد في «الصَّحيح» وإلَّا فَقَدْ ذكر ابن عبد البرِّ أنَّ الحكَم بن الأعرج روى عنه أيضًا كما نبَّه عليه المزِّيُّ.
          و(أَبُو عَاصِمٍ) شيخ شيخ البخاريِّ فيه هو النَّبيل، الضَّحَّاك بن مَخْلَدٍ.
          وأمَّا حديث عائشة فسلف في باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائطٌ أو سترةٌ، ويأتي في الصَّوم، وقال هنا: (تَابَعَهُ يُوْنُس) وهذه المتابعة أخرجها مسلمٌ، عن حَرْملة عن ابن وهبٍ، عنه وأخرجها النَّسائيُّ، عن زكريَّا بن يحيى، عن إسحاق، عن عبد الله بن الحارث، عن يونس.
          وقوله: (تَابَعَهُ يُوْنُس) أي: في قوله: (أَمَّا بَعْدُ) كذا قاله خلفٌ وتابعه المزِّيُّ، واعتراض شيخنا قطب الدين عليه أنَّه روى عن الزُّهريِّ جميع الحديث فلا يختصُّ بـ(أَمَّا بَعْدُ) ليس بجيِّدٍ لأنَّه موضعُ التبويب فلذا فسَّره به.
          وأمَّا حديث أبي حُمَيدٍ فهو بعضٌ من حديثٍ ذكره البخاريُّ في الزَّكاة وتركِ الحيل والاعتكاف والنُّذور: ((اسْتَعْمَلَ رَسُولَ الله صلعم رَجُلًا من الأَزْد يُقَال له: ابن اللُّتْبِيَّة، على الصَّدَقةِ، فلمَّا قَدِم قال: هَذَا لَكُم وهَذَا أُهْدِي إليَّ، فَقَام رسول الله صلعم على المنبر فقال: أمَّا بَعْدُ فإنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُل مِنْكُم..))، أخرجه مسلمٌ في المغازي.
          ثمَّ قال البخاريُّ: تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم، قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ)، تَابَعَهُ العَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ فِي (أَمَّا بَعْدُ).
          أمَّا متابعة أبي معاوية _واسمه محمَّد بن خازمٍ الضَّرير، كوفيٌّ_ فأخرجها مسلمٌ في المغازي، عن أبي كُرَيْبٍ محمَّد بن العلاء، عن أبي معاوية به.
          وأمَّا متابعة أبي أسامة فتأتي _إن شاء الله_ مسندةً، وأخرجها مسلمٌ أيضًا واسمه حمَّاد بن أسامة، ومتابعة سفيان _وهو ابن عيينة_ فذكرها بعدُ عن الزُّهريِّ عن عُرْوة عن أبي حُمَيدٍ، وأخرجها مسلمٌ عن العَدَنيِّ عن هشامٍ.
          والعَدَنيُّ اسمه محمَّد بن يحيى، احتجَّ به مسلمٌ.
          واسم أبي حُمَيدٍ عبد الرَّحمن، وقيل: المنْذِرُ بن عَمْرو بن سَعَد بن مالكٍ بن خالد بن ثعلبة، مات في خلافة معاوية.
          وأمَّا حديث عليِّ بن حسين عن المِسوَر فهو من حديث: ((أنَّه صلعم خَطَب وقال: إنَّ عليًّا خَطَبَ بنتَ أَبِي جَهْلٍ، وإنَّما فاطمةُ بَضْعَةٌ منِّي)) الحديث. ويأتي في الفضائل إن شاء الله. وأخرجَّه مسلمٌ أيضًا.
          وتابعه ابن سيرين، أخرجه الرَّهاويُّ مِن طريقه عن المِسوَر بن مَخرَمة: ((كانَ رسولُ الله صلعم إذا خَطَب قال: أمَّا بَعْدُ)).
          والمِسوَر هذا قدم المدينة سنة ثمانٍ من الهجرة، فسمع وحفظ، أمُّه عاتِكة بنت عوفٍ، قُتل أيَّام ابن الزُّبير بالمنجنيق سنة أربعٍ وستِّين. ومتابعة الزُّبيديِّ لا يحضرني مَن أسندها.
          وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ فأخرجه أيضًا في علامات النُّبوَّة، وفضائل الصَّحابة، وأخرجه التِّرمذيُّ في «شمائله».
          وابن الغَسِيل المذكور في إسناده هو أبو سليمان عبد الرَّحمن بن سليمان بن حنظلة ابن الغَسِيل.
          قيل: عاش مائةً وستِّين سنةً، ذكره ابن التِّين، وقيل: إنَّما سُمِّي والده بذلك لأنَّه غسَّلته الملائكة يوم أُحدٍ.
          إذا تقرَّر ذلك فالكلام على ذلك من أوجهٍ:
          أحدها: هذه الأحاديث دالَّةٌ لِمَا تُرْجِم له، وهو ذكر هذه اللَّفظة في الخطبة بعد الثَّناء، وهي من فصيح الكلام، وهو فصلٌ بين الثَّناء على الله وبين ابتداء الخبر الذي يريد الخطيب إعلامَ النَّاس به، وهو فصل الخطاب الذي أُوتيهِ داود صلعم لأنَّها فصل ما تقدَّم مِن كلام المتكلِّم، وقال الحسن: هي فصل القضاء، وقيل: البيِّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر. وهو المبتدئ بها على أحدِ الأقوال، ورواه النَّحَّاس من حديث بلال بن أبي بُردَة، عن أبيه، عن أبي موسى أنَّه صلعم أوَّلُ من قالها، وأنَّه فصل الخطاب، وكذا ذكره عبدٌ في «تفسيره» عن الشَّعبيِّ، وزياد بن أبيه.
          ثانيها: أنَّه كعب بن لؤيٍّ جدُّ سيِّدنا رسول الله صلعم.
          ثالثها: قِسُّ بن ساعدة، قاله ابن الكلبيِّ.
          رابعها: يَعرُب بن قحطان.
          خامسها: سَحْبان. وفي ضبطها أربعة أوجه: ضمُّ الدَّال وتنوينها، ونصبها وتنوينها.
          وفي «غرائب مالكٍ» للدَّارَقُطنيِّ بسندٍ ضعيفٍ: ((لمَّا جاءَ مَلَك الموت إلى يعقوبَ ◙، قال يعقوب في جملة كلامٍ: أَمَّا بَعْدُ، / فإنَّا أهلُ بيتٍ موكَّلٌ بنا البلاءُ..)) الحديث.
          قال سِيبويه: معناه: مهما يكن مِن شيءٍ. وقال أبو إسحق: إذا كان رجلٌ في حديثٍ وأراد أن يأتي بغيره قال: أمَّا بعد.
          وفي «المحكم» معناها: أمَّا بعد دعائي لك. وفي «الجامع»: يعني: بعد الكلام المتقدِّم، أو بعدما يبلغني من الخبر. ثمَّ حذفوا هذا وضمُّوا على أصل ما ذكرناه، وذكر عبد القادر الرَّهاويُّ أن اثنين وثلاثين من الصَّحابة رووا ذلك عن النَّبيِّ صلعم في خُطَبه ومواعظه وكُتُبه.
          ثانيها: معنى: (تَجَلَّانِي الغَشْيُ) غطَّاني وغشَّاني، وأصله: تجلَّلني فأُبدلت إحدى اللَّامات ألفًا، قاله ابن الأثير، قال: ويحتمل أنْ يكون معناه: ذهب بقوَّتي وصبري، مِن الجلاء، أو ظهر بي وبان عليَّ.
          وقولها: (وَلَغَطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ) اللَّغط: الأصوات المختلفة التي لا تُفهم. قال ابن التِّين: ضبطه بعضهم بفتح الغين وبعضهم بكسرها، وهو بالفتح عند أهل اللُّغة.
          قولها: (وَانْكَفَأْتُ) أي: مِلتُ بوجهي ورجعِتُ إليهنَّ لأُسكتهنَّ. أي: بالإشارة، وأصله من: كَفَأت الإناء: إذا أَمَلْتُهُ وَكَببتُهُ.
          والفتنة أصلها: الاختبار، ولا فتنة أكبر مِن الفتنة المذكورة منكَرٍ _بفتح الكاف كما قيَّده به ابن العربيِّ_ ونكيرٍ، وقد ثبت فيها أحاديث، أعاذنا الله منها.
          وقوله: (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ) أي: أتاه الملَك بذلك، وفيه: بيان أنَّه أعلمَ به في ذلك الوقت.
          وقوله: (حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ) يعني: أنَّه رأى أمورًا عظامًا.
          وقوله: (مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ) يعني: ما يبلو به الله ╡ النَّاس إذا خرج الدَّجَّال مِن الفتنة، فيضلُّ الله به قومًا ويثبِّت المؤمنين، وقيل له: المسيح لأنَّه يمسحُ الأرض، أو لأنَّه ممسوحُ العين أعورُها، وقد أسلفنا ذلك مع رواية كسر الميم وتشديد السِّين. [خ¦835]
          و(المُنَافِقُ): الذي يُظِهر خلاف ما يبطن. و(المُرْتَابُ): الشَّاكُّ. قاله أبو الوليد المالكيُّ. وقال أبو جعفرٍ: (المُنَافِقُ): المرتاب، ومعناهما متقاربٌ في الكفر، إلَّا أنَّ قوله: (سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ) أقرب إلى نفي المرتاب، وفي بعض الرِّوايات أنَّه إذا قال: لا أدري. قيل له: ((لا دَرَيْتَ ولا تَليَت)). ومعنى تَلَيت: اتَّبعت.
          وقوله: (أَمَّا المؤْمِنُ) أو (الموْقِنُ) الأظهر كما قال ابن التِّين أنَّه المؤمن لقوله: (قد كنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ) ولقوله: (فَأَجَبْنَا) ولم يَقُل: فأيقنَّا. والنَّوم هنا: العَود إلى ما كان عليه، ووصفه به وإن كان مؤمنًا لِمَا يناله من الرَّاحة.
          وقوله: (فَأَوْعَيْتُهُ) قال الدِّمياطيُّ في حاشية «الصَّحيح» بخطِّه ومنه نقلت الوجه: وَعَيته، قال تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:12] يُقال: وَعَيت العلم، وأَوْعَيت المتاع.
          وقوله: (أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بِسَبْيٍ) وفي بعض النُّسخ: <أَوْ بِشَيءٍ>، وهو ما في «المستخرج» لأبي نعيمٍ، وفي كتاب الإسماعيلي: ((أُتي بمالٍ من البَحْرَينِ)).
          وقوله: (أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ) كذا بخطِّ الدِّمياطيِّ، وقال شيخنا قطب الدِّين: الذي في أصل روايتنا: (أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ)، ونسخة: <أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ>.
          وقوله: (عَتَبُوا) أي: وجدوا في أنفسهم كراهيةً لذلك.
          وقوله: (لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ) هذا من نظر القلب لا مِن نظر العين.
          و(الجَزَعُ): ضدُّ الصَّبر، وهو شدَّة القلق، وقيل: القول السَّيِّئ.
          و(الهَلَعُ): شدَّة الجَزَع.
          وقوله: (مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ) أي: أتركُهُم مع ما وهب الله لهم مِن غنى النَّفس فصبروا وتعفَّفوا عن الطَّمع والشرَه.
          و(حُمْرُ النَّعَمِ): قيل: المراد: إهداءها أو الصَّدقة بها فيكون أجر ذلك له، وهي كلمةٌ تقولها العرب، وإلَّا فما كان يحب أنَّ له فيها الدُّنيا وما فيها.
          وقوله: (مُتَعَطِّفًا) أي: متردِّيًا، والتعطُّف التَّردِّي بالرِّداء، ويُسمَّى الرِّداء عِطافًا لوقوعه على عِطْفي الرَّجل، وهما ناحيا عُنُقه، ومِنْكَبُ الرَّجل عِطفْه، وكذلك المِعطَف، ويُعطَف، ذكره الهَرويُّ.
          وفي «المحكم»: والجمع: عُطُف، وقيل: المعاطِفُ: الأردية، لا واحد لها. والمِلحَفة: بكسر الميم.
          وقوله: (قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ) وفي روايةٍ: (دَسْمَاءَ) ذكرها في اللِّباس، ضبط صاحب «المطالع»: (دَسِمَةٍ) بكسر السِّين، قيل: كانت سوداء، وكان له صلعم عمامةٌ سوداء، والعِصابة: العمامة.
          ومنه الحديث: ((أُمرنا أنْ نَمْسَحَ عَلَى العَصَائبِ)). سُمِّيت بذلك لأنَّها تعصب الرَّأس؛ أي: تربطه. قيل: لونها لون الدَّسم كالزَّيت وشبهه، مِن غير أن يخالطها شيءٌ مِن الدَّسم، وقيل: متغيِّرة اللَّون مِن الطِّيب والغَالِيَة.
          وقال أبو عبد الملك: ملوَّنةٌ بالصَّبغ، وقيل: الصَّفيقة، والدَّسِمة في اللِّغة: الوَسِخة.
          وقال ابن دريدٍ وغيره فيها سوادٌ، وقيل: الغليظة، وليس بشيءٍ. وزعم الدَّاوديُّ أنَّها على ظاهرها، وأنَّه لِمَا نالها مِن عرقه في المرض.
          وقوله: (فَثَابُوا إِلَيْهِ) أي رجعوا بعضهم إثرَ بعضٍ، وقيل: أي اجتمعوا.
          وقوله: (إِنَّ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ) وفي رواية: ((حتَّى يَكُونوا في النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ المِلْحِ في الطَّعامِ))، هو مِن معجزاته وإخباره عن المغيَّبات، فإنَّهم الآن فيهم قلَّةٌ.
          وقوله: (فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) فيه: دلالةٌ على أنَّ الخلافة لا تكون في الأنصار لأنَّه وصَّى بهم، ولو كانت فيهم لوصَّاهم.
          وقوله: (وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ) أي: في غير الحدود وحقوق الآدميِّين، والمراد بالحيِّ هنا المدينة وما حولها.
          ثالثها: في فوائدِه:
          فيه: الخروج إلى المسجد جوف اللَّيل.
          وفيه: صلاته النَّافلة جماعةً.
          وفيه: الفرار من القَدَر إلى القَدَر وليس ذلك بناجٍ من القدر.
          وفيه: أنَّه صلعم كان إذا أراد المبالغة في الموعظة طلع المنبر فيُتأسَّى به.
          وفيه: الخطبة بالوصيَّة، والخطبة بما قلَّ مِن الثِّياب، وفيه: فضيلة الأنصار.
          وفيه: قبول خبر المرأة، وخبر المرأة عن المرأة، ورواية الرَّجل عن المرأة، وعن امرأته.
          وفيه: استجازة أسماء سؤالَ المصلِّي، ومخاطبته باليسير الذي لا يشغله لأنَّه مباحٌ / له الإشارة حسبما صنعت عائشة.
          وفيه: أنَّ حُكْم النِّساء كان عندهم.
          وفيه: الافتتان في القبر، وهو بمنزلة التَّكليف والعبادة، ومعناه: إظهار العمل وإعلامٌ بالمآل لأنَّ العمل والتَّكليف انقطع بالموت.
          وفتنة الدَّجَّال بمعنى: التَّكليف والتعبُّد، وشبَّهها بها لصعوبتها وعِظَم المحنة بها وقلَّة الثَّبات.
          وفيه: الخطبة للكسوف، وهو حُجَّة لأبي حنيفة والشَّافعيِّ، وأبعدَ مَن قال: إنَّما استفتح كلامه بالحمد، وليس بخطبةٍ، والصَّلاة لها.
          وفيه: أخذ المصلِّي الماء مِن جانبه، وصبِّه إيَّاه على رأسه، وقال أبو عبد الملك: قد يكون ذلك بعد فراغها.
          وفيه: انصراف الإمام إذا تجلَّت الشَّمس.
          وفيه: البداءة بالحمد والثَّناء.
          وفيه: ما كان صلعم مِن الرَّأفة بالمؤمنين، وائتلافه إيَّاهم بالعطاء ليحبِّب إليهم الإيمان، ولِمَا له في ذلك مِن الأجر الجزيل.
          وفيه: حَلْفُ الصَّادق ليؤكِّد.
          وفيه: خطبة المريض إذا خاف الموت.
          وفيه: _كما قال أبو جعفرٍ_: لباس العِصَابة الدَّسِمة، لِمَا ينالها ممَّا يكون بالمريض مِن العَرَق، فهذه أربعٌ وعشرون فائدةً.
          وفيه أيضًا أنَّ الموعظة تكون بعد الصَّلاة عشيَّةً.
          واختلف العلماء في الخطبة: هل هي شرطٌ لصحَّة الصَّلاة وركنٌ مِن أركانها أم لا؟ فعند عطاءٍ والنَّخعيِّ وقتادة وأبي حنيفة والشَّافعيِّ وأحمد والثَّوريِّ وإسحاق وأبي ثورٍ وأصحاب الرَّأي هي شرطٌ في الجمعة لا تصحُّ بدونها.
          قال ابن قدامة في «المغني»: ولا نعلم فيه مخالفًا إلَّا الحسنَ البصريَّ، فإنَّه قال: تجزئهم جمعتُهُم خَطَب الإمام أو لم يخطُبْ لأنَّها صلاة عيدٍ، فلم يشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى.
          قلت: وحكى ابن المنذر عن داود وعبد الملك المالكيِّ مثل قول الحسن، قال القاضي: ورُوي ذلك عن مالكٍ أيضًا، وحكاه ابن حزمٍ أيضًا عن ابن سيرين.
          قال ابن حزمٍ: وليست الخطبة فرضًا، فلو صلَّاها إمامٌ دون خطبةٍ صلَّاها ركعتين جهرًا ولا بدَّ.
          وقال عطاءٌ وطاوسٌ ومجاهدٌ: من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة لم يصلِّها. وقد أسلفنا ذلك، [خ¦921] قال: ورُوِّينا من طريق عبد الرَّزَّاق، عن الأوزاعيِّ، عن عمرو بن شُعَيبٍ، أنَّ عمر بن الخطَّاب قال: الخطبةُ موضع الرَّكعتين، فمن فاتته الخطبة صلَّى أربعًا.
          احتجَّ الجمهور بالاتِّباع، فإنَّه صلعم كان يخطب خطبتين. رواه جابرٌ وابن عمر، وقد قال: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي)) ولأنَّ كلَّ خطبةٍ قِيْمت مقام ركعةٍ إذا قلنا أنَّها بدلٌ عن الرَّكعتين.
          فرعٌ: أركانها عند الشَّافعيِّ خمسة: حمد الله تعالى، والصَّلاة على نبيِّه، ولم أرَ هذا في خُطَبه صلعم بعد الفحص، نعم رأيت في «دلائل النُّبوَّة» للبيهقيِّ في باب المعراج من حديث عيسى بن ماهان عن الرَّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلعم عن ربِّه جلَّ جلاله في جمل أوصافه التي منحها تعالى له: ((وَجَعَلتُ أمَّتك لا تجوزُ عليهم خُطَبةٌ حتَّى يَشْهَدوا أنَّكَ عَبْدِي ورَسُولي)).
          وروى فيه في باب: أوَّل خُطبةٍ خطبها حين قَدِم المدينة من حديث أبي سَلَمة بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ قال: كانت أوَّل خُطبةٍ خطبها رسول الله صلعم بالمدينة. فذكرها، وقال في آخرها: ((والسَّلام على رَسُولِ اللهِ وَرَحْمةُ اللهِ وَبَركَاتُهُ)).
          وقراءة آيةٍ في إحداهما على الأصحِّ، والوصيَّة بالتَّقوى والدُّعاء للمؤمنين في الثَّانية على الأصحِّ، ووقع في كلام ابن التِّين عن الشَّافعيِّ: أن يحمَدَ الله ويسبِّح، ولم أرَ هذا في كلامه ولا كلام أحدٍ من أصحابنا عنه فاحذره.
          وقال أبو حنيفة: إن اقتصر على ذكر الله جاز. وعن الشَّعبيِّ أنَّه كان يخطب بأقلَّ أو أكثر، وفي «قاضي خان»: التَّسبيحة الواحدة تجزي في قول أبي حنيفة.
          الآخر: وهو قول أبي يوسف الآخر إلَّا أنَّه يكون مسيئًا بغير عذرٍ لترك السُّنَّة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنَّه يخطب خطبةً خفيفةً، يحمد الله ويثني عليه، ويتشهَّد ويُصلِّي على رسوله، ويعظُ النَّاس ويُذكِّرهم، ويقرأ سورةً.
          وعن مالكٍ: إن سبَّح وهلَّل وصلَّى على نبيِّه فلا إعادة عليه، وعنه: إن سبَّح فقط أعاد ما لم يُصلِّ، فإن صلَّى أجزأ، وعنه: تُجزِئه واحدةٌ، وهو قول الأوزاعيِّ وأبي يوسف ومحمَّدٍ وإسحاق وأبي ثورٍ.
          قال ابن حبيبٍ: ولو لم يتمَّ الأولى وتكلَّم بما خفَّ مِن الثَّناء على الله وعلى نبيِّه أجزأ.
          وعن مالكٍ: إن لم يخطب مِن الثَّانية ما له بال لم يجزؤوا وأعادوا، استدلَّ لذلك بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة:9] ذكرَه مطلقًا من غير قيدٍ فأجزأ ما يُسمَّى ذِكرًا.
          قلت: الاتِّباع أولى، والشَّرط عنده أن يكون على قصد الخطبة حتَّى لو عطس فقال: الحمد لله، على عطاسه لا ينوب عن ذلك، وحديث الرَّجل الذي قال: علِّمني عَمَلًا أدخلُ به الجنَّة فقال: ((لَئِنْ أَقْصَرتَ في الخُطْبةِ لقد أَعْرَضَتَ في المسألةِ))، لا دلالة فيه، وكذا ما ذكره جماعةٌ من المؤرِّخين أنَّ عثمان أُرْتِج عليه بعد قوله: الحمد لله، فاعتذر، وقال: إنَّ أبا بكر وعمر كانا يعدَّان لهذا المقام مقالًا، وإنَّكم إلى إمامٍ فعَّالٍ أحوج منكم إلى إمامٍ قوَّالٍ، وصلَّى بحضرة الصَّحابة. منكرٌ، كما قال ابن العربيِّ.
          وفي «المبسوط»: أنَّ الحجَّاج أُرْتِج عليه بعد قوله: الحمد لله. فقال: يا أيَّها النَّاس قد هالني كثرةُ رؤوسكم وإحداقكم إليَّ بأعينكم، وإنِّي لا أجمع عليكم بين الشُّحِّ والعيِّ، إنَّ لي نعمًا في بني فلانٍ، فإذا قضيتم الصَّلاة فانتهبوها، ونزل وصلَّى، ومعه أنس بن مالكٍ وغيره من الصَّحابة.
          ورُوي عنه أنَّه كتبَ إلى الوليد بن عبد الملك يشكو إليه الحَصَرَ في الخطبة، وقلَّة الشَّهوة للأكل، وضعفَ شهوة الجِماع، فكتب إليه الوليد: إنَّك إذا خطبتَ انظر إلى أُخريات النِّساء، ولا تنظر إلى ما يكون بقربٍ منك، وأَكْثِر ألوان الأطعمة فإنَّك لو أكلت من كلِّ لونٍ شيئًا يسيرًا اكتفيتَ، وأَكْثِر السَّراري فإنَّ لكلِّ واحدةٍ لذَّةً.
          وعند أبي يوسف ومحمَّدٍ: لا يجزي أقلُّ من مقدار التَّشهُّد إلى قوله: عبده ورسوله.
          وفي «ملتقى البحار»: / أن يثني على الله ويصلِّي على نبيِّه ويدعو للمسلمين.
          قال ابن حبيبٍ: وتكون الثَّانية أقصر من الأولى، قال: وكان صلعم لا يدعُ أن يقرأ في خطبته: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إلى قوله: {عَظِيْمًا} [الأحزاب:70]. وينبغي أن يقرأ في خطبته الأولى بسورةٍ تامَّةٍ من قصار المفصَّل، قال: وكان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارةً بـ{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، وتارةً بالعصر.
          وحديث عمَّارٍ في «صحيح مسلمٍ» أصلٌ في تفسير الخطبتين، وفيه: ((إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجل وقَصِرَ خُطبته مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأَطِيلُوا الصَّلاة وأَقْصِروا الخُطْبةَ، وإنَّ مَن البَيَان سحرًا)).
          ومعنى ((مَئِنَّةٌ)): علامةٌ، مأخوذٌ من أنَّ، فوزنُها: مَفْعِلةٌ، وهي فعيلةٌ مِن يَئِنُّ.