التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا اشتد الحر يوم الجمعة

          ░17▒ بَابُ إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ /
          906- ذكر فيه حديثَ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ، عن أَبِي خَلْدَةَ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُول: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ. يعني: الجُمُعَةَ). وقالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ، وقَالَ: بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الجُمُعَةَ، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي الظُّهْرَ؟.
          الشَّرح: هذا الحديث انفرد به عن مسلمٍ، وأخرجه النَّسائيُّ وفي روايته أنَّ الحَكَم بن أيُّوب أخَّر صلاة الجمعة، فتكلَّم يزيد الضَّبِّيُّ، ونادى أنس بن مالكٍ: يا أبا حمزة، شهدتَ الصَّلاة مع رسول الله صلعم وشهدتَ الصَّلاةَ معنا، فكيفَ كان يصلِّي؟ الحديث.
          وأخرجه الإسماعيليُّ كذلك بلفظ: الصَّلاة، فقط. ثمَّ أسند تعليق يونس عن أبي الحسن الصُّوفيِّ: حدَّثنا أبو هشامٍ عن يونس بلفظ: إذا كان الحرُّ أبرد بالصَّلاة، وإذا كان البرد بكَّر بها. يعني: الظُّهر.
          وأسنده البيهقيُّ أيضًا من حديث عُبَيد بن يَعِيش عنه بلفظ الصَّلاة فقط. ثمَّ أسند تعليق بشر بن ثابتٍ _أعني: الإسماعيليَّ_ مِن حديث إبراهيم بن مرزوقٍ، عن بشرٍ عنه عن أنسٍ بلفظ: إذا كان الشِّتاء يبكِّر بالظُّهر، وإذا كان الصَّيف أبردَ بها، ولكن يصلِّي العصر والشَّمس بيضاءُ نقيَّةٌ. وأخرجه البيهقيُّ أيضًا.
          وأَبُو خَلْدَةَ بإسكان اللَّام، ثقةٌ مأمونٌ، روى له البخاريُّ هذا الحديث الواحد، مات سنة اثنتين وخمسين ومائةٍ. ذكره ابن نافعٍ، وذكر عبد الغنيِّ في «الكمال» أنَّ أحمد بن حنبلٍ قال: شيخٌ ثقةٌ. وهذا إنَّما قاله في خالد بن دينارٍ أبي الوليد فاعلمه.
          روى له ابن ماجه والبخاريُّ في «أفعال العباد»، وبِشر بن ثابتٍ بصريٌّ بزَّارٌ ثقةٌ، ذكره ابن حبَّان في «ثقاته». وقال أبو حاتمٍ: مجهولٌ، ويونس بن بُكَيرٍ الكوفيُّ الجمَّال احتجَّ به مسلمٌ، مات مع عبد الله بن نُمَيرٍ سنة تسعٍ وتسعين ومائةٍ.
          وهذا الباب في معنى الذي قبله: أنَّ وقتها وقت الظُّهر، وأنَّها تُصلَّى بعد الزَّوال، ويُبرد بها في شدَّة الحرِّ، ولا يكون الإبراد إلَّا بعد تمكين الوقت، والإبراد بها وجهٌ قويٌّ، وإن كان المشهور في المذهب خلافه.
          وقد أسلفنا في الباب قبله بأنَّ الأحاديث السالفة محمولةٌ على المبالغة في التَّعجيل من غير إبرادٍ ولا غيره. [خ¦905]
          وقال ابن قُدامة في «المغني»: لا فرق في استحباب إقامتها عَقِب الزَّوال بين شدَّة الحرِّ وبين غيره، فإنَّ الجمعة يجتمع لها النَّاس، فإذا انتظروا غيرهم شقَّ عليهم، وكذلك كان صلعم يصلِّيها إذا زالت الشَّمس شتاءً وصيفًا على ميقاتٍ واحدٍ.