التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة

          ░30▒ بَابُ القَعْدَةِ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
          928- ذكر فيه حديث عُمَر قال: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا).
          هذا الحديث سلف في باب: الخطبة قائمًا وشرحه واضحًا. [خ¦920]
          وقال ابن قُدَامة: هي مستحبَّة للاتِّباع، وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم؛ لأنَّها جلسةٌ ليس فيها ذكرٌ مشروعٌ، فلم تكن واجبةً، وصرَّح إمام الحرمين _مِن أصحابنا_ بأنَّ الطُّمأنينة بينهما واجبةٌ، وهو خفيفٌ جدًّا قَدْر قراءة سورة الإخلاص تقريبًا، وفي وجهٍ شاذٍّ أنَّه يكفي السُّكوت في حقِّ القائم لأنَّه فصلٌ.
          وذكر ابن التِّين أنَّ مقدارها كالجلسة بين السَّجدتين، وعزاه لابن القاسم، قال: وجهه أنَّه فصلٌ بين مُشْتَبهَين، كالجلوس بين السَّجدتين. وادَّعى ابن بطَّالٍ أنَّ حديث الباب دالٌّ على السُّنِّيَّة لأنَّه صلعم كان يفعله، ولم يقل: لا يجزئه غيره لأنَّ عليه فرضَ البيان، قال: ومن قال بالفرض لا حُجَّة له؛ لأنَّها فصلٌ بين الذِكرين واستراحةٌ للخطيب وليست مِن الخطبة في شيءٍ، والمفهوم من لسان العرب أنَّ الخطبة اسمٌ للكلام الذي يُخطب به خاصَّةً لا للجلوس.
          وقال الطَّحاويُّ: ولمَّا كان لو خطب قاعدًا جاز ولم يقع بينهما فصلٌ فكذا إذا قام موضع القعود، وكلُّ هذا عجيبٌ فما ذَكَرَه لا يُسلَّم له.
          وقال ابن التِّين: لا خلاف أنَّ مِن شأن الخطبة أن تفعل على خطبتين، فإنْ ترك الثَّانية لانحصارٍ أو نسيانٍ أو حَدَثٍ، وصلَّى غيره أجزأهم، وكذلك لو لم يتمَّ الأولى، وأتى منها بما له بالٌ كما سلف.
          فرعٌ: هكذا يفعل في غيره من الخطب كالاستسقاء وغيره، أمَّا خطب الحجِّ سواها فكلُّها فردةٌ إلَّا التي بنَمِرة بقرب عَرَفَة.