التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة

          ░10▒ بَابُ مَا يُقْرَأُ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
          891- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقْرَأُ فِي الفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ {الم.تَنْزِيلُ} [السجدة:1-2]وَ{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان:1]).
          رواه عن أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
          وفي بعض النُّسخ بدل (أَبِي نُعَيْمٍ): <مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ>، وعليه ضبَّة، وما أسلفناه هو ما في أصل الدِّمياطيِّ بخطَّه، وفي الحاشية: و مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ. وذكر خلفٌ في «أطرافه» أنَّ البخاريَّ رواه عنهما في الصَّلاة، وعلى الحاشية لم أجد حديث محمَّدٍ ولا ذكره الدِّمشقيُّ، وأمَّا أبو نعيمٍ فأورده كما سُقْناه، وقال في سفيان الثَّوريِّ: ثمَّ قال: رواه البخاريُّ عن أبي نعيمٍ، ورواه الإسماعيليُّ من طريق جماعةٍ منهم: أبو نعيمٍ، ولم يذكر منهم محمَّد بن يوسف.
          وأخرجه مسلمٌ عن زُهَيرٍ، عن وكيعٍ، عن سُفيانَ، وأخرجه من حديث ابن عبَّاسٍ أيضًا، وفي «شريعة القاري» من حديث أَبانٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ قال: ((غدوتُ على النَّبيِّ صلعم يومَ الجُمُعةِ في صَلَاةِ الفَجْر فَقَرأَ سُورةً من المئين في الرَّكعة الأولى فيها سَجْدةٌ، فسجدتُ، ثمَّ غَدَوتُ عليه من الغدِ فقرأَ في الرَّكعة الأخيرةٍ سورةً من المئين فيها سَجدةٌ فسجَدَ)). وأبانٌ هذا لا أعرفه.
          وسقط سعد بن إبراهيم في رواية أبي الحسن وأُلحِق ولا بدَّ منه، والقرَّاءة بهاتين السُّورتين أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ.
          وفي «الطَّبرانيِّ الصغير»: حدَّثنا محمَّد بن بشرٍ، حدَّثنا دُحَيمٌ، حدَّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدَّثني ثورُ بن يزيد عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأَحوَص، عن عبد الله مرفوعًا بزيادة: ((يُدِيمُ ذلك))، ثمَّ قال: لم يروه عن عمرٍو إلَّا ثورٌ، ولا عن ثورٍ إلَّا الوليد، تفرَّد به دُحَيمٌ، ولا كتبناه إلَّا عن ابن بشرٍ.
          قلت: وهو فائدةٌ جليلةٌ فارحل إليها.
          إذا تقرَّر ذلك فذهب أكثر العلماء _كما حكاه عنهم ابن بطَّالٍ_ إلى القول بهذا الحديث، رُوي ذلك عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ، وأجازوا أن يقرأ بسورةٍ فيها سجدةٌ في الفجر يوم الجمعة، واستحبَّه النَّخعيُّ وابن سيرين، وهو قول الكوفيِّين والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، وقالوا: هو سُنَّةٌ.
          واختلف قول مالكٍ في ذلك، فروى ابن وهبٍ عنه أنَّه لا بأس أن يقرأَ الإمامُ بالسَّجدة في الفريضة، وروى عنه أشهب أنَّه كُرِه للإمام ذلك إلَّا أن يكون مَن خلفه قليلٌ لا يُخَافُ أن يخلط عليهم.
          وروى ابن أبي شيبة _بإسنادٍ جيِّدٍ_ عن أبي حمزة الأعور، عن إبراهيم أنَّه صلَّى بهم يومَ الجمعة الفجرَ فقرأ بهم بـ{كَهَيَعَصَ} [مريم:1]. وعن عليٍّ أنَّه قرأ في الفجر يومَ الجمعة بسورة الحشر وسورة الجمعة.
          ومذهب الكوفيِّين كراهةُ قراءة شيءٍ من القرآن مؤقَّتةٌ بشيءٍ من الصَّلوات، وأن يقرأ سورة السَّجدة و{هَلْ أَتَى} في الفجر في كلٍّ جمعةٍ، وذلك لِمَا فيه من هجران باقي القرآن، وليس فيه مهجورٌ، وإيهام تفضيل بعضه على بعضٍ، وكلام الله في الحقيقة سواءٌ، لقيامه بذات الله وشرفه بها.
          قال الطَّحاويُّ: معناه إذا رآه حتمًا واجبًا لا يجزي غيره أو رأى القراءة بغيرها مكروهةً، أمَّا لو قرأها في تلك الصَّلاة تبرُّكًا أو تأسِّيًا بالشَّارع أو لأجل التَّيسير فلا كراهة، وفي «المحيط» مِن كتبهم: بشرط أن يقرأَ غيرَ ذلك أحيانًا، لئلَّا يظنَّ الجاهلُ أنَّه لا يجوز غيره، وقال المهلَّب: القراءة في الصَّلاة محمولةٌ على قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] وإنَّما كره مالكٌ ذلك خشيةَ التَّخليط على النَّاس.
          ولذلك ترك الشَّارع في آخر فعلِهِ السُّجودَ في المفصَّل، لأنَّه الذي يُقرأ به في الخَمْس. وقال ابن العربيِّ: خرَّج البخاريُّ قراءة الصُّبح يوم الجمعة عن سعد بن إبراهيم بلفظ (كَانَ) المقتضيةِ للمداومة، وهو مضعَّفٌ عند مالكٍ وغيره، وقد جاءت الرِّواية أيضًا مِن غير طريقه، / ولكنَّه أمرٌ لم يعلم بالمدينة _فالله أعلم_ من قطعه كما قطع غيره، فينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدوة، ويقطع أحيانًا، لئلَّا يظنَّه العامَّة من السُّنَّة.
          وهو عجيبٌ منه، فهو سُنَّةٌ عند الخاصَّة والعامَّة، وصاحبُ الشَّرع داوم عليه كما سلف بالإسناد الصَّحيح، فكيفَ المعْدِلُ عنه؟
          وقوله في ابن إبراهيم: فلا نعلمُ أحدًا ضعَّفه ولا ذكره في الضُّعفاء، وفي «شرح ابن التِّين»: إنَّ هذا الحديث يردُّ على مَن قال: لم يُرو عن النَّبيِّ صلعم أنَّه سجَدَ في غير المفصَّل، إذ يفيد أنَّه صلعم يقرأُ السَّجدة ولا يسجدها. قلت: وقد قدَّمنا سجودَهُ فيها.