التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السواك يوم الجمعة

          ░8▒ بَابُ السِّوَاكِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
          ذكر فيه حديثًا معلَّقًا، وثلاثة أحاديث مسندةً، قال: وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم: يَسْتَنُّ.
          وهذا التَّعليق سلف في باب الطِّيب مسندًا.
          887- ثمَّ ذكر حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ). هذا الحديث رواه عن أبي هريرة جعفر بن ربيعة بلفظ: (عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ).
          وفي حديث مالكٍ: ((مع كلِّ صلاةٍ))، وفي رواية النَّسائيِّ عن قتيبة عن مالكٍ عنه.
          وزعم أبو عمر أنَّ روايةَ عبد الله بن يوسف وجماعاتٍ: ((لولا أنَّ أشقَّ على المؤمنينَ _أو على النَّاسِ_ لأمرتُهُم بالسِّواك)) وزاد معنٌ: ((عند كلِّ صلاةٍ))، وكذا قال قتيبة، ولم يقل: ((أو عَلَى النَّاس))، كلُّ هذا قد رُوي عن مالكٍ، عن أبي الزِّناد.
          وكذا ذكر أبو العبَّاس أحمد بن طاهرٍ الدَّاني في «أطراف الموطَّأ»، وذكر أنَّه في «الموطَّأ» في آخر الطَّهارة مختصرٌ ليس فيه تحديدٌ، ثمَّ ذكر أنَّ في آخر «الموطَّأ» أنَّ أبا هريرة قال: لولا أن يشقَّ على أمَّته لأمرهم بالسِّواك مع كلِّ وضوءٍ. وأنَّه موقوفٌ عند يحيى بن يحيى وطائفةٍ، ورفعه مطرِّفٌ وجماعةٌ عن مالكٍ، وذكر أنَّ رواية معنٍ ومطرِّفٍ وجويرية: ((مع كلِّ صلاةٍ)).
          وذكر الدَّارقطنيُّ في «الموطَّآت» أنَّ يوسف ومحمَّد بن يحيى قالا كما في الكتاب: ((عَلَى أُمَّتي، أو على النَّاسِ)) وقال معنٍ: ((عَلَى المؤمنينَ، أو على النَّاس))، زاد معنٌ: ((عندَ كلِّ صلاةٍ)).
          وادَّعى ابن التِّين أنَّه ليس في هذا الحديث في «الموطَّأ»: ((مع كلِّ صلاةٍ))، ولا قوله: ((أو على النَّاس))، وقد ظهر لك خلافه، وفي الباب عن سبعةَ عَشَر صحابيًّا ذكرهم التِّرمذيُّ.
          إذا عرفتَ ذلك فالكلام عليه من أوجهٍ:
          الأوَّل: الاستدلال بهذا الحديث مطابقٌ، لأنَّه إذا ثبتَ السِّواك في غيرها مِن الصَّلوات فهي مع النَّدب إلى الاغتسال لها وإحسان الهيئة أولى بالسِّواك، ويحتمل أن يكون مراده كما نبَّه عليه ابن المنيِّر. ما هو منطوقٌ به في حديث أبي سعيدٍ الذي علَّقه في أوَّل هذا الباب، وقد أسنده في باب: الطِّيب للجمعة كما سلف، وأنَّ مراده من حديث الباب: مع كلِّ صلاةٍ، وصلاة الجمعة صلاةٌ فتدخل تحت ذلك، ثمَّ ساق في الباب غيره كما ستعلمه استطرادًا في السِّواك مطلقًا.
          الثاني: معنى: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ): لولا أن أُحرِجَهم. وقد أسلفنا عن ابن حزمٍ أنَّ السِّواك فرضٌ يوم الجمعة، وهو من جموده.
          قال الإمام الشَّافعيُّ: لو كان واجبًا لأمرَهُم به، شقَّ أو لم يَشُقَّ.
          الثالث: في أحكامه:
          فيه: أنَّ الأمر للوجوب، وأنَّ المندوب ليس مأمورًا به. وشرعيَّة السِّواك للفرض والنَّفل، وجواز الاجتهاد للشَّارع فيما لم يَرِد فيه نصٌّ، وما كان عليه مِن الرِّفق بأمَّته، وأنَّه لا كراهة فيه للصَّائم بعد الزَّوال، وعليه بوَّب النَّسائيُّ.
          وإباحة السِّواك في المسجد لأنَّ (عِنْدَ) تقتضي الظَّرف حقيقةً فيقتضي استحبابه بحضرة كلِّ صلاةٍ وعندها، وعند بعض المالكيَّة كراهتُهُ في المسجد لاستقذازه، والمسجد منزَّهٌ عنها.
          وأنَّ الأمرَ للتَّكرار، لأنَّ الحديث دالٌّ على كون المشقَّة مانعةً مِن الأمر بالسِّواك، ولا مشقَّة في وجوبه مرَّةً لمسمَّى السِّواك مع عدم الكِلْفة أو قلَّتها، وإنَّما المشقَّةُ في التَّكرار مع الوجوب، فلو لم يكن الأمر للتَّكرار لَمَا كانت المشقَّة مانعةً لأنَّه ممتنعٌ كون المشقَّة مانعةً ولا مشقَّة، لكنَّ المشقَّةَ / مانعةٌ من الوجوب فالأمر للتَّكرار.
          قال المهلَّب: وفيه أنَّ السُّنن والفضائل ترتفع عن النَّاس إذا خُشي منها الحرج عليهم، وإنَّما أكَّد في السِّواك لمناجاة الرَّبِّ وتلقِّي الملائكة تلك المناجاة، فلزمَ تطهير النَّكهة، وتطيُّب الفَمِ.