التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر

          ░14▒ بَابُ الرُّخْصَةِ إِذَاْ لَمْ يَحْضُرِ الجُمُعَةَ فِي المَطَرِ
          901- ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ (قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ..) الحديث.
          وقد سلف في باب: الكلام في الأذان [خ¦616] وباب: هل يخطب يوم الجمعة في المطر، [خ¦668].
          وقد اختلف العلماء في التَّخلُّف عن الجمعة بالمطر، فممَّن كان يتخلَّف عنها بذلك ابنُ سيرين وعبد الرَّحمن بن سَمُرة، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجُّوا بهذا الحديث، وقالت طائفةٌ: لا يتخلَّف عن الجمعة، وروى ابن نافعٍ: قيل لمالكٍ: أيتخلَّف عن الجمعة في اليوم المطير؟ قال: ما سمعتُ، قيل له في الحديث (ألَا صَلُّوا في الرِّحَالِ). قال: ذاك في السَّفر وقد رخَّص في تركها بأعذارٍ أُخرَ غيرَ المطر، روى ابن القاسم عن مالكٍ أنَّه أجاز أن يتخلَّف عنها بجنازة أخٍ من إخوانه لينظر في أمره، قال ابن حبيبٍ عن مالكٍ: وكذا إن كان له مريضٌ يخشى عليه الموت.
          وقد زار ابن عمر ابنًا لسعيد بن زيدٍ ذُكِر له شكواه فأتاه إلى العَقِيق وترَكَ الجمعة، وهو مذهب عطاءٍ والأوزاعيِّ، وقاله الشَّافعيُّ في الولد مِن الوالد إذا خافَ فواتَ نفسه، وقال عطاءٌ: إذا استُصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فَقُم إليه واترك الجمعة، وقال الحسن: يُرخَّص في الجمعة للخائف.
          قال مالكٌ في «الواضحة»: وليس على المريض والصَّحيح الفاني جمعةٌ، وقال أبو مِجْلَزٍ: إذا اشتكى بطْنَه لا يأتي الجمعة.
          وقال ابن حبيبٍ: أرخَصَ صلعم في التَّخلُّف عنها / لمن شَهِد الفطر والأضحى صبيحةَ ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة، لِمَا في رجوعه مِن المشقَّة لِمَا أصابهم مِن شغل العيد، وفعله عثمان لأهل العوالي، واختلف قول مالكٍ فيه، والصَّحيح عند الشَّافعيَّة: السُّقوط.
          واختُلِف في تخلُّف العروس أو المجذوم، حكاه ابن التِّين، واعتبر بعضهم شدَّة المطر.
          واختلف عن مالكٍ: هل عليه أن يشهدها؟ وكذا رُوي عنه فيمن يكون مع صاحبه فيشتدُّ مرضه لا يدعُ الجمعة إلَّا أن يكون في الموت.
          وقوله: (الطِّينِ وَالدَّحَضِ): قال في «المطالع»: كذا للكافَّة، وعند القابِسيِّ بالراء، وفسَّره بعضهم بما يجري في البيوت مِن الرُّحاضة، وهو بعيدٌ، إنَّما الرَّحض: الغسل، والمِرْحَاض: خشبةٌ يُضرب بها الثَّوب ليُغسل عند الغسل. وأمَّا ابن التِّين فذكره بالرَّاء وقال: كذا لأبي الحسن بالرَّاء.
          (وَالدَّحَضِ): بالدَّال، كذا في رواية أبي ذرٍّ، وهو: الزَّلَق، ورَحَضت الشَّيء: غسلته. ومنه: المِرْحَاض. أي: المغتسل. وما له هنا وجهٌ إلَّا أن يريد أن يشبِّه الأرض أصابها المطر بالمُغتَسل، وهو المِرْحَاضة لأنَّها تكون حينئذٍ زَلْقةً.