التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في التعريض

          ░41▒ بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعْرِيضِ.
          6847- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟) الحديثَ، وقد سلفَ في النِّكاح [خ¦5305].
          واعترضَ الدَّاودِيُّ فقال: تبويبُه غيرُ مُعْتدلٍ ولو قال: ما جاء في ذِكْرِ ما يقعُ في النُّفوسِ عندما يَرَى أو يَكْرَهُ لكان صوابًا. قلتُ: والأوَّلُ صوابٌ أيضًا.
          واختلف العلماءُ في هذا البابِ فقالت طائفةٌ: لا حدَّ في التَّعريضِ وإنَّما يجب الحدُّ بالتَّصريح البَيِّنِ. رُوِيَ هذا عن ابنِ مَسْعُودٍ، وقاله القاسمُ بن مُحَمَّدٍ والشَّعْبِيُّ وطَاوُسٌ وحمَّادٌ وابنُ المسيِّب في روايةٍ والحَسَنُ البَصْرِيِّ والحَسَنُ بنُ حيٍّ، وإليه ذهبَ الثَّورِيُّ والكوفيُّون والشَّافِعيُّ، إلَّا أَنَّ أبا حَنيفَةَ والشَّافِعيَّ يُوجبانِ عليه الأدبَ والزَّجْرَ، واحتجَّ الشَّافِعيُّ بحديثِ البابِ وعليه يدلُّ تبويبُ البُخَاريِّ، قال: وقد عرَّضَ بزوجتِه تعريضًا لا خفاءَ به، ولم يُوجِبْ عليه الشَّارعُ حدًّا، وإنْ كان غَلَبَ على السَّامِعِ أنَّه أرادَ القذْفَ، إذْ قد يحتمل قولُه وجهًا غيرَ القذْفِ مِن المسألةِ عن أمْرِه.
          وقالتْ طائفةٌ: التَّعريضُ كالتَّصريح، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ وعُثْمَانَ وعُرْوَةَ والزُّهْرِيِّ ورَبِيْعَةَ، وبه قال مالكٌ والأوزاعِيُّ. قال مالكٌ: وذلك إذا علِمَ أنَّ قائلَه أرادَ به قَذْفًا فعليه الحدُّ، واحتجَّ في ذلك بما رَوَى هو عن أبي الرِّجال عن أمِّه عَمْرَة أنَّ رجلَينِ استبَّا في زَمَنِ عُمَرَ ☺، فقال أحدُهما للآخَرِ: واللهِ ما أنا بزانٍ ولا أُمِّي زانيةٌ. فاستشارَ في ذلك عُمَرُ ☺، فقال قائلٌ: مَدَحَ أباهُ وأُمَّهُ، وقال آخَرُ: قد كان لأبيهِ وأُمِّهِ مدْحٌ غيرُ هذا، نَرَى أن يُجلَدَ الحدَّ، فجَلَدَهُ عُمَرُ ☺ ثمانينَ.
          قال ابنُ عبدِ البَرِّ: رُوِيَ مِن وجوهٍ أنَّه حَدَّ في التَّعريضِ بالفاحشةِ، وعن ابنِ جُرَيْجٍ: الَّذي حدَّهُ عُمَرُ ☺ بالتَّعريضِ عِكْرِمَةُ بنُ عامرِ بن هِشَامِ بن عبد مَنَافِ بن عبدِ الدَّارِ، هَجَا وُهَيب بن رَبِيْعَة بن الأسود بن عبد المطَّلِب بن أسَدٍ فعرَّض له في هجائِهِ؛ سمعتُ ابنَ أبي مُلَيْكَة يقولُ ذلك. ورُوِيَ نحوُ هذا عن ابن المسيِّب.
          قال أهلُ هذه المقالةِ: لا حُجَّةَ في حديثِ البابِ لأنَّ الرَّجُلَ لم يُرِدْ قَذْفَ امرأتِه والنَّقيصةَ لها، وإنَّما جاء مُستفتيًا، فلذلك لم يحدَّه الشَّارعُ، وكذلك لم يَحُدَّ عُويمرًا وأرجأَ أَمْرَهُ / حتَّى نَزَلَ فيه القرآن.
          واحتجَّ الشَّافِعيُّ فقال: لَمَّا لم يُجعلِ التَّعريضُ في الخِطبة في العِدَّة بمنزلةِ التَّصريح كذلك لا يُجعَلُ التَّعريضُ في القذفِ بمنزلةِ التَّصريح. قال القاضي إسماعيلُ: وليس كما ظنَّ وإنَّما أُجيز له التَّعريضُ فقط لأنَّ النِّكاحَ لا يكونُ إلَّا مِن اثنينِ، فإذا صرَّح بالخطبة وقع عليه الجوابُ مِن الآخَر بالإيجابِ أو الوعدِ فمُنعوا مِن ذلك، فإذا عرَّض به فُهِمَ أنَّ المرأةَ مِن حاجتِه فلمْ يحتَجْ إلى جوابٍ، والتَّعريضُ بالقذفِ لا يكونُ إلَّا مِن واحدٍ، ولا يكونُ فيه جوابٌ فهو قاذِفٌ مِن غيرِ أن يُجِيبَهُ أحدٌ، فقام مقامَ التَّصريحِ.
          فَصْلٌ: الأَوْرَقُ الأَغْبَرُ، وهو الَّذي فيه سوادٌ وبياضٌ. وعبارةُ ابنِ التِّين أنَّه الأسمرُ، ومنه بعيرٌ أَوْرقُ إذا كان لونُهُ كلونِ الرَّماد.
          وقولُه: (أُرَى عِرْقًا نَزَعَهُ) قال ابنُ التِّين: لعلَّه وقعَ بالنِّسبةِ إلى أَحَدِ آبائِه. قلتُ: رُوِيَ: مِن جدَّاتِه. كما أسلفْتُه في مواضعِه.