التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا

          ░17▒ بَابٌ لَمْ يُسْقَ الْمُحَارِبُونَ الْمُرْتَدُّونَ حَتَّى مَاتُوا
          6804- ذَكَرَ فيه حديثَ أَنَسٍ ☺ أيضًا في قِصَّةِ العُرَنيِّين، وفيه: (يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ).
          ثم ترجمَ:
          ░18▒ بَابُ سَمْرِ النَّبِيِّ صلعم أَعْيُنَ الْمُحَارِبِينَ.
          6805- ثمَّ ساق فيه حديثَ أنسٍ ☺.
          وقام الإجماعُ على أنَّ مَن وجَبَ عليه الحدُّ _سواءٌ كان بلغَ النَّفسَ أم لا_ أنَّه لا يُمنع شُرْبَ الماءِ لئلَّا يجتمِعَ عليه عَذَابانِ، وقد أُمرْنَا بإحسانِ القِتلَةِ وأن نذبحَ الذَّبيحةَ بحدِّ الشَّفرةِ والإجهازِ عليها.
          ومعنى تَرْكِ سَقْيِ العُرَنيِّينَ هو كمعنى تركِ حَسْمِهم، ويحتملُ _كما قال المُهَلَّبُ_ أنْ يكون تَرَكَهُ عقوبةً لهم لَمَّا جازُوا بِسَقْيِ رسولِ الله صلعم لهم اللَّبنَ حتَّى اسقوا بالارتدادِ والحِرَابة والقَتْل، فأراد أن يُعَاقِبَهم على كُفْرِ السَّقي بالإعطاش فكانت العقوبةُ مطابقةً للذَّنب.
          وفيه وجهٌ آخرُ قريبٌ مِن هذا: روى ابنُ وَهْبٍ عن مُعَاويَةَ بنِ صالحٍ ويَحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سَعِيدٍ عن ابن المسيِّب، وذكر هذا الحديث: فعَمَدُوا إلى الرَّاعي _غلامِ رسولِ الله صلعم_ فقتلوهُ واستاقوا اللِّقَاح، فزعم أنَّه ╕ قال: ((عطَّش اللهُ مَن عطَّشَ آل مُحَمَّدٍ الليلةَ)) فكان ترْكُ سَقْيهم إجابةً لدعوتِه ╕.
          فإنْ قلتَ: قال أنسٌ في هذا الحديثِ: فَذَهَبوا (بِإِبِلِ رَسُوْلِ الله صلعم) وفي أوَّل كتاب المحارِبين: ((إبلَ الصَّدقة)) فما وجه ذلك؟ قيل: وجهُهُ أنَّه كانت له إبِلٌ مِن نصيبِه مِن المغْنَمِ فكان يشربُ لبنَها وكانت ترعَى معَ إِبِلِ الصَّدقةِ، فأخبَر مرَّةً عن إبِلِه ومرَّةً عن إِبِلِ الصَّدقةِ، وأنَّها كانت لا تَخفَى لكثرَتِها مِن أَجْلِ رَعْيِها معها ومشاركتِها لها في المسرح والمَرْتع.
          ويحتمل وجهًا ثانيًا: أنَّها إِبِلُ الصَّدقةِ وأُضيفتْ إليه لأنَّه يَصرِفُها والقيِّمُ بِشأنِها فنُسِبَتْ إليه لذلك لا لأنَّها مُلكٌ له.
          فَصْلٌ: قولُه: (فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى جِيْءَ بِهِمْ) أي ارتفع.
          وقولُه: (فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ) هو صحيحٌ؛ لأنَّ أحميتُ الحديدَ رُبَاعيٌّ، وسَمَر وسَمَل واحِدٌ.
          وقولُه: (حَتَّى إِذَا بَرَؤُوا) هو بفتْح الرَّاء، كذا هو في الأصول مضبوطٌ، وقال ابنُ التِّين: مَن قرأَ بالكسر على وزنِ عَلِمُوا. قال الجَوْهَرِيُّ: بَرِئتُ مِن الذُّنوبِ والعُيُوبِ براءةً، وبَرِئتُ مِن المرض بُرءًا بالضمِّ، وأهلُ الحجاز يقولون: بَرَأتُ مِن المرض بَرءًا. قال ابنُ فارِسٍ: بَرَأْتُ مِن المرضِ وبَرِئتُ أيضًا.